للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ الماهية، أو جُزءٌ مِنْ أَجزَائها، فَلَو كَانَتِ الماهية مَع جَمِيعِ أَجزَائها مُشتَمِلَةَ عَلَى الْمصلَحَةِ، ثُمَّ إِنها صَارت مُوَجِّهة لِلوَصفِ الخَارِجِي المُشتَمِلِ عَلَى المفسدة -لَزِمَ كَونُ المصلحة مُوَجهةً للمَفسَدَةِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ؛ فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَ هذَا الوصف الْخَارِجيِّ اللازِمِ مَنْشَأَ المَفْسَدَةِ-: يَدل عَلَى تَمَكُّنِ المفسدة فِي جوهرِ المَاهِيَّةِ؛ وَحِينئذ: يَجِبُ الحُكْمُ بِالبُطْلانِ.

وَأما القسمُ الرابع -وَهُوَ أن يَكُونَ مَنشَأ الْمَفسَدَةِ أَمرًا خَارِجًا عَنِ الماهية، مُفَارِقًا لَها-: فَهذَا لَا يمنَعُ مِنْ صحةِ الْفِعلِ؛ كَالْوُضوءِ بِالمَاءِ المَغصُوبِ، وَالاصطِيَادِ بِالقوسِ المَغصُوبِ.

إِذَا عَرَفْتَ هذَا، فَلْنَذْكُر مِثَالًا وَاحِدًا؛ لَيَحصُلَ التنبِيهُ عَلَى المَقْصُودِ:

قَال الشافِعِي -رَحِمَهُ الله- فِي "مَسألَةِ الإِرسالِ": لَوْ حَرُمَ الجَمعُ لَمَا نَفَذَ، وَقَدْ نَفَذَ؛ فَلَا يَحرُمُ:

بَيَانُ المُلازَمَةِ: أَن بِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ الجمع حَرَامًا- كَانَ الآتِي بِالْجَمعِ آتِيًا بِنفسِ المحرم؛ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالبُطلانِ.

فَإِنْ قِيلَ: "يُنقَضُ هذَا بِالطلاقِ فِي زَمَانِ الحَيضِ":

===

المَاهِيةُ، أو جُزء من أجزائها"، وهو أيضًا فَاسِد؛ فإنهُ مَبنِيٌّ على التعليلِ العقلي، وهو مَذهبُ الحُكَمَاءِ.

واعتقادُ أَهلِ الحَقِّ: أَنْ جميعِ الكائنات واقعةٌ بِقُدْرَةِ الله تعالى، ثم لو سُلمَ له الإيجابُ العقلي، فلا يَتَعيَّنُ أن يكونَ المُوجِبُ اللازِمُ للمَاهِيةِ نفسَ الماهية، أو جُزأها؛ بل قد يكَونُ من أمر خارج، فكثير من المُتَلازِمَاتِ وَاقِعَة مع عَدَمِ تأثيرِ أَحَدِها في الأُخرَى؛ كالأُبوةِ، والبُنوَّةِ، وغيرِ ذلك.

قوله: "وأما القسم الرابع، وهو: أن يكونَ مَنشأُ المفسدة أمرًا خارجًا عن المَاهِيةِ، مُفَارِقًا لها- فهذا لا يمنعُ صِحةَ الفعل؛ كالوُضوءِ بالماءِ المَغْصُوبِ، والاصطيادِ بالفَرَسِ المغصوب".

هذا القسم مُتفَق عليه أيضًا من الأَئمةِ: وهو: أنه مَتَى كان النهيُ لِمُجَاور مُفَارق؛ فَإِنَّهُ لا يَمنَعُ الصِّحَّةَ؛ وإنما يَقَعُ النزَاعُ في بعضِ المَوَاطِنِ في تحقيقِ مَنَاطِ أنه مُفَارِق أَوْ لَا، كالبَيعِ وَقتَ النداءِ عندنا، وعندَ مالكٍ، رحمه الله تعالى.

قوله: "إذا عرفتَ هذه القاعِدة فنذكر منها مثالًا واحدًا، ليحصُلَ التنبيه على المقصود:

قال الشافِعِي -رحمه الله تعالى- في مسألة الإرسال: لو حَرُمَ الجَمعُ لَمَا نَفَذَ؛ وقد نفذ فَلَا يَحرُم".

حَاصِلُهُ: الاستدلالُ بأن مُقْتَضَى النهي الفَسَادُ، وحيثُ لا فسادَ فلا تحريمَ.

واعتُرِضَ عليه: بالطلاقِ في الحَيض؛ فَإنهُ حَرَامٌ مع النفُوذِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>