لَنَا وُجُوه:
الأولُ: أن الفَصلَ بَينَ التثْنِيَةِ وَالجمعِ مَنْقُول بِالتوَاتُرِ.
الثانِي: أن صِيغَةَ الجَمْعِ تُنْعَتُ بِالثلاثَةِ فَمَا فَوقَهَا؛ يُقَالُ: "جَاءَنِي رِجَال ثَلاثة، وَثَلاثةُ رِجَال"، وَلَا تُنْعَتُ بِالاثنَينِ؛ فَلَا يُقَالُ: "جَاءَنِي رِجَال اثنَانِ، وَاثنَانِ رِجَال".
الثالِثُ: أَن أَهلَ اللغَةِ فَصَلُوا بَينَ ضَمِيرِ الاثْنَينِ، وَبَينَ ضَمِيرِ الجَمْعٍ؛ فَقَالُوا فِي الاثنَينِ: "فَعَلا"، وَفِي الثلاثَةِ: "فَعَلُوا"، وَفِي أمْرِ الاثنَينِ: "افْعَلا"، وَفِي أمرِ الْجَمْعِ: "افْعَلُوا".
===
واختار الإِمامُ صِحةَ استعماله في الاثنين مجازًا عند ظُهُورِ قرينة؛ كما لو فُرضَ أَن واحدًا يُقَاومُ مِثلَهُ ولا يُقَاوَمُ من الجماعة، فرأى رجلينِ قد أقبلا عليه، فَإنهُ يَحسُنُ أن يقولَ: أقبل الرجَالُ؛ لاستوائهما في الثالث والجمع.
قال: وقد يسوغ أيضًا إِطلاقُهُ على الواحد مجازًا عند ظهور القرينة؛ كما لو رَأى زَوْجَتَهُ وَقَد تَبَرَّجَتْ لرجلٍ، فَإنهُ يَحْسُنُ أَن يقولَ: أتتبرجين للرجال يا لَكَاعِ؟ ولَفظُ الجمع أَبلَغُ في مَقصُودِه.
يُمكِنُ أَنْ يُقَال: إِن صِحَّةَ إِطلاقِ الجمع في المَحَلَّينِ، إِنما كان لظهورِ ما دَل على الجمع؛ لأن إِقبال الاثنينِ دَالٌّ على إِقبالِ الجمع، فَصِحةُ الجَمعِ كذلك، وكذلك التبَرجُ للواحد دليلَ على التبرج للجمع.
قوله لنا وجوه: "الأَولُ: أن الفصل بين التثنية والجَمعِ منقول بالتواتر"، يعني: أن العَرَبَ قد أفردت كُل واحد منهما بصيغة، كما أفردت الواحِدَ بصيغية، فكما أن الجمعَ بيانُ الواحِدِ، فكذلك التثنِيَةُ.
قوله: "الثاني: أَن صِيغَةَ الجَمعِ تُنْعَتُ بالثلاثةِ، ولا تُنعَتُ بالاثنينِ" دليل واضِح.
وقوله: "يقال: ثلاثة رجال، ولا يقال: اثنان رجال".
هذا ليس من باب النعتِ، ولكن قد احتج به أيضًا، وَوَجهُهُ: أَن الاثنينِ لو كان جمعًا تَمَيزَ بما تَمَيزَ به الجَمع.
الجواب عنه: أَن القِيَاسَ: أنْ يُقَال: اثنا رجالٍ، وواحِدُ رجال، ولكن اسْتُغنِيَ بِدَلالةِ المعدودِ على العَدَدِ، والجِنسِ معًا، وهو: رجل، ورجلان بخلاف الجمع؛ فَإِن لَفظَةَ "رجال" لا تُفِيدُ ثلاثةً، ولَفظَةَ "ثلاثة" لا تُفِيدُ رجالًا؛ فاحتِيجَ إِليهما معًا.
قوله: "الثالث: أن أَهلَ اللغَةِ فَصَلُوا بين ضميرِ الاثنينِ، وضميرِ الجمع، فقالوا في الاثنين: "فعلا"، وفي الثلاثة "فعلوا":
اعتُرِضَ عليه: بأنه قدِ استعمِلَت هذه الضمائِرُ في الاثنينِ، وهي عُمدَةُ القاضي في مِثلِ قوله تعالى في خطاب موسى وفرعونَ: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: ١٥]