الثانِي: أن المُقتَضِيَ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي غَيرِ مَحَل التخصِيصِ هُوَ الصيغَةُ العَامةُ، وَهِيَ بَاقِيَة، وَالْمُعَارِضُ الْمَوجُودُ -وَهُوَ زَوَالُ الْحُكمِ عَنْ مَحَل التخْصِيصِ- لَا يَقْتَضِي زَوَالهُ عَن سَائِرِ الصوَرِ؛ فَثَبَتَ أَن فِي سَائِرِ الصوَرِ: المَقْتَضِي قَائِم، وَالْمُعَارِضُ مَفْقُود؛ فَوَجَبَ بَقَاءُ الحكْمِ.
الثالِثُ: أنهُ لَوْ خَرَجَ الْعَامُّ الْمَخصُوصُ عَن أَنْ يَكُونَ حُجة -لَخَرَجَ الْقُرْآنُ عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجة؛ لأَن العُلَمَاءَ قَالُوا: عُمُومَاتُ الْقُرْآنِ مَخصُوصَة؛ إِلا قَوْلَهُ تَعَالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢].
===
يعني لاستواء اللفظِ بالنسبة إِلى سائِرِ أفرادِهِ، فليس جَعلُ بعضها مشروطًا ببعض بأولى من العكس.
والاعتراض عليه: اختيارُ التوَقفِ من الطرفين.
وقوله: إنه دَورٌ، مُسَلم، ولكن دور معي، والدورُ المعي لا يقدح، وإنما يَقدَحُ إذا وَجَبَ تَقَدمُ كُل واحد منهما على الآخَر من جهة واحدة، فَيُوجِبُ تَقَدمَ الشيء على نفسه.
أما فَرضُ شيئين لا يوجدان إلا معًا، فليس بِمُحَال في العقل؛ كالجواهر والأعراض عند المحققين، ولو امتنع ذلك، لامتنع وَجُودُ مَاهِية ذاتِ أجزاء؛ لِتَوَقفِ تَحَقُّقِها على أجزائها، ولكانت جميعُ الموجودات بَسَائِطَ.
قوله: "الثاني: المقتضى لثبوت الحكم في غير محل التخصيص هو الصيغة العامة".
يعني: أَن العام وضِعَ لِكُل فردٍ من أفرَاده؛ لأنه موضوع لِلكُل المستلزِمِ للأَفرادِ، فحينئذ يَدُل على المجموع بالمُطَابَقَةِ، ويدل على كُل فرد بطريق التضَمنِ لا بطريقِ الالتزام.
قوله: "والمعارض مفقود، فوجب بقاء الحكم":
يعني: أن الدلِيلَ إِذا دَل بأصله على إِثباتِ الحُكمِ في الجميع.
والمُنَافَاةُ: إِنما هي في صُورةِ التخصيصِ، ولا يُؤَثر المانِعُ إلا في مَحَلهِ، فَيَجِبُ استصحاب الدلالة فيما عداه؛ عملًا بالأَصلِ، وجمعًا بين الأَدِلةِ بحسب الإِمكانِ.
وقول المعتزلة: "إنه إذا زالتِ الحقيقةُ فليس بعض بأولى من بعضٍ"- لا يُسَلمُ؛ بل حَملُهُ على البَعضِ الخَالِي عنِ المعارضَ أولى.
قوله: "الثالِثُ: لو خرج العَام المخصوصُ عن أن يكونَ حُجة- لخرج القرآنُ عن كونِه حجةٌ":