للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا بَيَانُ الثَّانِي: فَهُوَ أَن الاسْتِثْنَاءَ كَلامٌ غَيرُ مُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَة؛ حَتَّى لَا يَصِيرَ لَغْوًا، فَإِذَا عَلَّقْنَاهُ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ -فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ؛ فَتَعْلِيقُهُ بِسَائِرِ الْجُمَلِ يَقْتَضِي مُخَالفَةَ الدَّلِيلِ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ؛ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.

===

احتَّج الشافعيُّ بوجوه:

الأول: أَنَّ احتمال عودِهِ إلى الجميع جَائِزٌ، ولا أَوْلَويَّةَ؛ فَيَعُمُّ؛ كاللَّفْظِ العَامِّ بالنسبة إلى مُسَمَّياتِهِ.

ورُدَّ: بمنع سلب الأولوية، بل عوده إلى الأخيرة أَوْلى؛ لِقُرْبه.

الثاني: أَنَّ الوَاوَ العاطفةَ تُصَيرُ المُتَعدِّدَ في حكم المُتَّحِدِ إذا فرق بين قولهم: رأيتُ زيدًا وزيدًا، ورأيت الزيدين.

واعْتُرِضَ: بأَن هذا مُسَلَّمْ في عطف المُفْرَدِ، والكلامُ في عطف الجُمَلِ.

الثالِثُ: أنه لو قال: له عندي خمسة وخمسة إلَّا سِتَّةً- عاد إلى الجميع.

وَأُجِيبَ: بأنه عَطْفٌ في المُفْرَدِ، وبامتناعِ عودِهِ إلى الأخيرة فقط.

واحتَجَّ المرتضى: بأنه إذا اسْتُعْمِلَ تارَة مع التعميم، وتارَةً مع الاختصاص، والأَصْلُ في الإِطلاقِ الحقيقة- لَزِمَ الاشتراكُ.

ورُدَّ: بأن الاشتراكَ على خلاف الأصلِ أيضًا.

واحتج أيضًا: بِحُسْنِ الاستفهامِ، وهو دليلُ الاستبهامِ.

واعْتُرِضَ بأْنه لِطلَبِ تعيينِ الحقيقة وَلِقطعِ الاحتمال.

واحْتَّجَ القَاضِي بِأَنَّهُ إِذَا تَكَافَأَتِ الأَدِلةُ تَعينَ الوَقْفُ.

وَرد بمنع التَّكافؤ وَبَيَان التَّرْجِيحِ.

واحتجَّ أبو حنيفةَ بوجوهِ:

الأَوَّلُ: ما أشار إليه الفَخْرُ، وهو قوله: "إنَّ المُقْتَضِي لِثُبُوتِ الحُكْمِ في كل تلك الجملَ قائم ... " إلى آخره.

يعني: أَنَّ الجُمَلَ ظاهرة في العُمُومِ، والاستثناءُ إخراجٌ وتخصيصٌ، وكلاهما على خلافِ الأَصْلِ، والاستثناءُ لا يَسْتَقِلُّ بنفسه، ولا بُدَّ من ربطهِ بجملة، وربطهُ بواحدةٍ يَدْفَعُ الضرورةَ، وما يَثْبُتُ للضرورة يُقَدَّرُ بحسبها، فيتعيَّنُ عَوْدُهُ إلى واحدةٍ، ويختصُّ بالأخيرة لِلْقُرْبِ، فيبقى فيما عداها على الأصل.

واعْتُرِضَ: بأنَّا لا نُسَلِّمُ ظهورَ العُمُومِ مع الاستثناءِ وحرتِ العطفِ، والكلامُ إِنَّما يُعْتَبَرُ بِجُمْلَتِهِ، ولا يقينَ مع احتمالِ العَوْدِ.

ولا نُسَلِّمُ أَنَّ الاستثناءَ إِخرَاجٌ بعدَ الحُكْمِ؛ بل هو إِخْرَاجٌ قَبْلَ الحُكْمِ، وإِلَّا كان قولُنا: لا إله إلَّا الله إيمانًا بعد كُفْرٍ، وقولُهُ: له عليَّ عَشَرَة إلَّا درهمًا رجوعًا بعد الإقرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>