للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ [كَانَ] أَقَلَّ مِنَ الأَوَّلِ؛ كَقَولِكَ: "لِفُلانٍ عَلَى عَشَرَةَ إلا خَمسَةَ إلا أَربَعَةَ" - فَالاستِثنَاءُ الثَّانِي: إِمَّا يَكُونُ عَائِدًا إِلَى الاستِثْنَاءِ الأوَّلِ فَقَط، أَوْ عَائِدًا إِلَى الْمُستَثْنَى مِنْهُ فَقَطْ، أَو إِلَيهِمَا مَعًا، أَو لا إلى وَاحِدٍ مِنهُمَا:

===

قلنا ذلك تَعَسُّفٌ وتَكَلُّفٌ، ولا نزاعَ في أنه وَرَدَ بعد "إلَّا" ما لا يَندَرجُ فيما قبلها.

وإنما الخلاف في أمور:

منها: أنه هل يكونُ استثناءَ حقيقةٍ أو مجازٍ؟ : والصَّحِيحُ أنه مجازٌ؛ لأنهُ مُشْتَقٌّ إمَّا من التَّثَنِّي تقول: ثَنَيت من عنان الفَرَسِ إذا رَدَدتَهُ ومنعته عن صَوبهِ، ولا يَتَحَقَّقُ هذا المعنى إلَّا مع الاتصال.

أو مشتق من التثنية وذلك لتثنية الخبر ولا يتحقق ذلك أيضًا إلا بتقدير دُخُوله في الخَبَرِ الأَوَّلِ بالإثبات مثلًا وبالنفي في الثاني، وبالعكس.

ومنها: أن حُكمَهُ النَّصبُ أو البَدَلُ فيما يَتبَعُ الجنس عند بني تميم، وهذا بَحثٌ نَحويٌّ.

ومنها: أنه إذا قال: له عليَّ مائة دينار إلا ثوبًا فأبو حنيفةَ يُلْزِمُهُ المائَةَ، وقوله: "إلَّا ثوبًا، لاغٍ، والشَّافِعِيُّ ينظر إلى قِيمَةِ الثوبِ، فإِن كانت مُسَاويَة للمائة أو أكثر أَلغَاهُ، وإن كانت أَقَلَّ استثنى القيمةَ من المائةِ.

فَوَجْهُ المجازِ فيه: أنه بتقدير حرفٍ مضافٍ كأنه قال: له عَلَيَّ مائةُ دينارٍ إلَّا قيمةَ ثوبٍ، والمَصِيرُ إليه أولى من التعطيلِ.

وما ذكره أبو حنيفةَ: قياس الاستثناء من غير الجِنسِ فهو مُقَدَّرٌ بـ"لكن"، إلَّا أنه ناقضه في استثناء الموزون من المَكِيلِ، والمَكِيل من الموزون.

عدنا إلى المسألة:

قوله: "إذا تَعَدَّدَت فإن كان البعضُ معطوفًا على البعضِ بحرف العطف، كان الكُلُّ عائدًا إِلَى المُستَثنَى منه"- ظاهِرٌ؛ فإنَّ مُقتَضَى العَطفِ جَعلُ المُتَعَدِّد كالواحد، فَيَعُودَانِ معًا إلى الأَوَّلِ بشرط عَدَمِ الاستغراق.

قوله: "كقولك: لفلان عليَّ عشرة إلَّا خمسة وإلا أربعة" يعني: فيلزمه واحد؛ وهذا تقريع على صِحَّةِ استثناءِ الأكثرِ، ومَن مَنَعَ كان الجَمِيعُ عنده لاغيًا، أو الثاني.

قوله: "وإن لم يكن كذلك فإنَّ الاستثناءَ الثاني إن كان أكثرَ من الأَوَّل أو مساويًا- عاد أيضًا إلى الأول؛ كقولك: لفلانٍ على عشرة إلَّا أربعة إلَّا خمسة" يعني: لِتَعَذُّرِ استثناءِ الخمسة من الأربعة.

قوله: "وإن كان أَقَلَّ منه؛ كقولك: عليَّ عشرةٌ إلَّا خمسة إلَّا أربعةَ، فالاستثناءُ الثاني إمَّا أَن يكونَ عائدًا إلى الاستثناءِ الأول فقط ... " إلى آخره.

يعني: أنَّ الأصلَ اعتبارُ القُرب، وإخراجُ الأَربعةِ من الخمسة مُمكِنٌ؛ فقد استَثنَى بخمسةٍ أَخرَجَ منها أربعةً، فيكونُ الاستثناءُ بوَاحدٍ، فتبقى تسعةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>