للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإن قَالُوا: "إِنَّهُ بِتَقدِير أَن يَعتَقِدَ الرَّسُولُ -عَلَيهِ السلامُ- أَنَّ تِلْكَ الأَفعَال غَيرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الأُمَّةِ-: كَانَ اعتِقَادُ الأمَّةِ وُجُوبَهَا عَلَيهِم: مُخَالفَة لَهُ وَتَركًا لِمُتَابَعَتِهِ":

قُلْنَا: الاعتِقَادُ أَمرٌ خَفِيٌّ، وَهُوَ مُتَعَارِضٌ؛ لأَنَّهُ بِتَقدِيرِ أَنَّ يَعتَقِدَ الرَّسُولُ -عَلَيهِ السَّلامُ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ فِي الأَفعَالِ عَلَى الأُمَّةِ-: كَانَ اعتِقَادُهُم أَنَّهَا غَيرُ وَاجِبَةٍ: تَركًا لِمُتَابَعَتِهِ.

فَثَبَتَ: أَنَّا إِنِ اعْتَبَرنَا حَال الاعتِقَادِ جَاءَ التَّعَارُضُ؛ فَوَجَبَ طَرحُهُ وَالاقتِصَارُ عَلَى الأَفعَالِ الظَّاهِرَةِ.

الرَّابع: قَوْلُهُ تَعَالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣] فَإِذَا حَمَلنَا لَفظَ "الأَمرِ" عَلَى الشَّأنِ المُطلَقِ، وَالطَّرِيقِ -دَخَلَ فِيهِ جَمِيعُ أفعَالِهِ وَأَقوَالِهِ، وَيَجِبُ حَملُهُ عَلَى هذَا الْمَعنَى؛ لأَنَّهُ هُوَ الْقَدرُ المُشْتَرَكُ بَينَ الأَمرِ بِمَغنَى "القَولِ"، وَبَينَ الأَمْرِ بِمَعنَى "الْفِعلِ".

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]

===

أَن يَأتي بمِثلِ ما أتى بهِ في الفِعلِ، والتَّركِ": هذه الحُجَّةُ تمسَّكَ بها القائلون بالندب؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٢١]: ولم يقل: عليكم، وقوله: في قوله تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: ٢١] يَجرِي مجرى الوعيدِ" يعني: أَنَّ المرادَ به لِمَنْ كان يَخَافُ الله؛ كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: ١١٠].

فيقال له: هذا تَرْك لِلظَّاهِرِ؛ فلا بُدَّ له من دليل.

قوله: "فَإِنْ قالوا: إِنَّهُ بتقديرِ أَن يَعتَقِدَ الرسولُ أَن تلك الأفعال غيرُ واجِبَةِ على الأُمَّةِ كان اعتقادُ الأمةِ وُجُوبَهَا عليهم، مُخَالفَة

- قلنا: الاعتقادُ أَمرٌ خَفِيٌّ، ومُتَعَارِضٌ":

يعني: أَنَّ احتمال الخَطَإ فيه لا يُتَصَوَّر الاحترازُ عنه؛

فإنَّا لو اعتقدنا كونه ندبًا يحتملُ الوجوبَ أيضًا؛ كاحتمال العَكسِ فَيَتَعَيَّن الإِعرَاض عنه.

وما ذكره إنَّما يلزم من عيَّن للفعل محملًا، من ندب، أو إباحة، وأمَّا الواقفية فلا.

قوله: "الرابع: قولُه تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣] إِذا حملنا لَفظَ الأمرِ على الشَّأنِ والطَّريق- دخل فيه جميع أَقوالِهِ، وأفعالِهِ، ويجبُ حملُهُ على هذا المعنى؛ لأنَّه القَدرُ المُشتَرَكُ":

يرد عليه: أَنَّ السَّابِقَ إِلى الفهم من الأمرِ القولُ المخصوصُ، وأيضًا الإِجماعُ الذي نَقَلَهُ هو في مسألة الأوامر على أنَّهُ حقيقةٌ في القولِ، فَيَتَعَيَّنُ أن يكونَ مجازًا فيما سواه؛ دفعًا للاشتراكِ.

قوله: "الخامس: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>