للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَمْ: أَنَّ جُمْهُورَ الْمُسْلِمِينَ احْتَجُّوا عَلَى وُقُوعِ النَّسْخِ؛ بِأَنْ قَالُوا: ثَبَتَ الْقَوَلُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَصِحَّةُ نُبُوَّتِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى صِحَّةِ حُصُولِ النَّسْخِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ حَقًّا.

وَلقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صِحَّةَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدِ -عَلَيهِ السَّلامُ- أَمْرٌ مُوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ النَّسْخِ؛ لأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَال: إِنَّ مُوسَى وَعِيسَى -عَلَيهِمَا السَّلامُ- نَصًّا عَلَى أَنَّ شَرْعَهُمَا يَبْقَى إِلَى ظُهُورِ شَرْعِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ انْتِهَاءُ شرْعِهِمَا جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ تَعَالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} [البقرة: ١٨٧].

===

وخالفه الفخر أيضًا، والمعتزلة, وجمهورُ الفقهاء، وَرَدُّوه إلى بيانِ أمد الحكم، ولكل منهم معتمد.

والرَّدُّ عليهم يأتي في المسألة الثانية إِن شاء الله تعالى؛ حيثُ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، وكان حَقُّهُ أنْ يذكره أولًا؛ لأن البحثَ في جوازِ النسخ ووقوعه فَرْعُ تَصَوُّرِهِ.

قوله: "المسألة الأولى: اتفق المسلمون على جواز النسخ ... ".

نُقِلَ عن طائفة من المسلمين مَنْعُهُ، وردُّوا جميع ما يُدَّعَى أنه نسخ إلى التخصيص.

وجمهورُ اليهودِ على امتناعه عقلًا، وذهب شِرذِمَةٌ منهم إلى امتناعه سمعًا.

قوله: "واعلم أَنَّ جمهورَ المسلمين احتجوا على وقوع النسخ بأَنْ قالوا: ثبت القول بنبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وصِحَّةُ نُبُوَّتِهِ موقوفةٌ على النسخ؛ فَوَجَبَ أَنْ يكونَ النسخ حقًّا": هذا كلامٌ ليس على ظاهره؛ فإِنَّ نُبُوَّةَ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لا تتوقف إلَّا على إِثبات المُعْجِزَةِ، وإنَّما مُرَادُهُ أنَّ ثبوتَ نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - مع كونها ناسخةً لبعض الشرائع المتقدمة - موقوفةٌ على صِحَّةِ النسخ على هذا التقدير.

واعْتُرِضَ عليه: بأَنَّ هذا لا يُفِيدُ مع اليهودِ مع تكذيبهم لنبوةِ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فلا تَثْبُتُ نبوتُهُ ما لم يثبتِ النسخُ، ولا يثبتِ النسخُ ما لم تثبت نبوتُهُ؛ فيدور.

والوجه أَنْ يُحَرَّرَ إِيرادُهُ فيقالُ: وُقُوعُ الخارِقِ على وَفْقِ دعوى المُتَحَدِّي، مع العَجْزِ عن معارضته- إمَّا أَنْ يَدُلَّ على صدق المتحدي أَوْ لا:

فإنْ لم يَدُلَّ على صِدْقِ المتحدي لَزِمَ أَلَّا يُصَدْقوا موسى، - عليه السلام -.

وإنْ دلَّ: لزم تصديقُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.

قوله: "ولقائِلٍ أَنْ يقول: لا نسلم أَنَّ صحةَ نبوةِ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - موقوفةٌ على النسخ؛ إِذْ يمكنُ أَنْ يقال: إِن موسى - عليه السلام - نَصَّ على بقاءِ شَرْعِهِ إِلى ظهورِ شَرْعِ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فكان انتهاءُ شَرْعِهِ جاريًا مجرى قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} [البقرة ١٨٧] ":

هذا السؤال لا يمكن لليهود إيراده؛ لأَنَّ في ضمنه تصديق محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وهم لا يُصَدِّقُونه؛ وإِنما هو شَكٌّ في هذه الحُجَّةِ، وقد يتمسك به مَنْ ينفي النسخ من المسلمين.

والرَّدُّ عليه بالحُجَج السمعية كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>