للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنَ النَّاسِ مَنِ احْتَجَّ عَلَى النَّسْخِ؛ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مَنْسُوخَةٍ.

وَاعْلَمْ: أَنَّا بَيَّنَّا فِي "التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ": أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ نَسْخٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ.

وَالْمُعْتَمَدُ فِي جَوَازِ النَّسْخِ: الْعَقْلُ، وَالنَّقْلُ:

أمَّا الْعَقْلُ: فَهُوَ أَنَّ الإِيجَادَ يَحْصُلُ بِالْقُدْرَةِ، وَالإِيجَابَ بِالْكَلامِ؛ فَكَمَا لَا يَبْعُدُ حُصُولُ الإِيجَادِ بَعْدَ الإِعْدَامِ، وَالإِعْدَامِ بَعْدَ الإِيجَادِ فَكَذلِكَ لَا يَبْعُدُ حُصُولُ الإِيجَابِ بَعْدَ الحَظْرِ، والحَظْرِ بَعْدَ الإِيجَابِ.

وَأَمَّا النَّقْلُ: فَقَوْلُهُ تَعَالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦].

===

قوله: "ومن الناس مَنِ احتج على النسخ بأن القرآن مُشتَمِلٌ على آياتٍ كثيرة منسوخةٍ" - كآية العِدَّةِ، وآية الصَّدقَةِ بين يدي النجوى، وغيرِ ذلك-: ظاهِرٌ.

قوله: "واعلم أنَّا بَيَّنَّا في "التفسير الكبير": أَنَّ أكثر ما يُدَّعَى فيه أنه نسخ؛ فإنَّهُ يَصِح حَمْلُهُ على التخصيص" يعني: فالاعتمادُ على الآية الدَّالَّةِ على النسخ من حيثُ الجملة؛ كقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: ١٠١"] , وقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء ١٦٠] , وقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة ١٠٦]-أولى من الاحتجاج بالآية الدالة على التفصيل.

قوله: "والمُعْتَبَرُ في جوازِ النسخِ العَقْلُ والنَّقْلُ: أما العَقْلُ: فهو أن الإِيجاد يَحْصُلُ بالقدرة، والإِيجابَ بالكلام، فكما لا يَبْعُدُ حُصُولُ الصحة بعد السقم ولا يبعد حصولُ الإِيجاب بعد الحظر والحظر بعد الإيجاب ... " إلى آخره:

حاصِلُ هذه الحُجَّةِ: أنه لو امتنع النَّسْخُ، فَإِمَّا أن يَمْتَنِعَ لذاته، أو لغيره:

ولا امتناعَ لذاته بالاتفاق.

ولو امتنع لغيره لكان: إِمَّا لِمَا يَلْزَمُ منه من البَدَاءِ؛ كما يَزعُمُ اليهودُ، أو للتناقُضِ؛ كما تزعم المعتزلةُ في النسخ قبل الامتثال: مِنْ أَنَّ الشيءَ الواحِدَ يكونُ مُرادًا ولا مرادًا، حسنًا قبيحًا؛ للإِجماع على أَنَّ ما عدا ذلك ليس بمانعٍ.

ولو لَزِمَ البداءُ أو التناقُضُ في الحكم، لَلَزِمَ في الفعل من تبديل الحياة بالموت، والصحةِ بالسقم، والغِنَى بالفقر، وعَكسُ ذلك، فكما لا يمتنع منه التَّصَرفُ بالفعل، ولا يلزَمُ منه البداء ولا التناقض- فكذلك لا يَمْتَنِعُ بالقول {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ} [الأعراف: ٥٤].

قوله: "وأمّا النَّقْلُ فقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة ١٠٦]:

لا يقال: المرادُ بالنسخ النقلُ من اللَّوْحِ المحفوظِ إِلى صُحُفِ الملائكة؛ لأنَّا نقولُ: يلزم أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>