للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوهٍ:

الأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء ١١٥].

===

وزاد الغزالي، وبعض الفقهاء: "الدينية"؛ لاعتقادهم عَدَمَ جريانه في العقليات، واللغات، والحروب، وقد اشتمل الحد على تَنْبِيهَاتٍ على أُمُورٍ اختلف فيها:

منها: أن قولنا: "اتفاق" يشتمل على صور الإجماع؛ سواء كانت عن دليل قَاطِع، أو اجتهاد، أو ظن غالب، فإن الصحيح جواز انعقاد الإجماع عن الرأي، كَإِمَامَةِ أبي بكر الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - وكتحريم شَحْمِ الخِنْزِيرِ بالقياس على لَحْمِهِ، وسواء علم اتِّفَاقُهُمْ بِقَوْلِ الجَمِيعِ أو بِفِعْلِ الجميع، أو بقَوْلِ بَعْضٍ وفِعْلِ بَعْضٍ، أو بقول بعض وسكوت الباقين سُكُوتًا يُشعِرُ بالوفاق، أو بِفِعْلِ بَعْضٍ وسُكوتِ البَاقِينَ كذلك.

وقولنا: "الْمُجْتَهِدِينَ" يُخرِجُ العَوَامَّ؛ فإن الصَّحِيحَ أنه لا يُشتَرَطُ وفاقهم؛ لِعَدَمِ الأَهْلِيَّةِ؛ كالصِّبْيَانِ، والمَجَانِين؛ خلافًا للقاضي؛ ولأن العَامِّيَّ يجب عليه اتِّبَاعُ المُجْتَهِدِ، فكيف يحرم على الْمُجْتَهِدِ المُخَالفة لقوله؟ !

وقولنا: "من أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، عليه الصلاة والسلام" لأن الصحيح في أن الإِجْمَاعَ حُجَّة الاعْتِمَادُ على النصُوصِ، وهي دَالَّةٌ على تَعْظِيمِ هذه الأُمَّةِ، وإِثبَاتِ العِصْمَةِ لهم شَرْعًا، ولم يقم دَلِيلٌ لنا على أن مَنْ سِوَاهُمْ كذلك، ، ومن أخذه من مسلك العادي، لزمه أن يقول: إن إِجْمَاعَ سائر الأُمَم حُجَّةٌ.

وقولنا: "في عَصْرٍ ما": احتراز من قَوْلِ أَهْلِ الظاهر: إِنَّ الإجْمَاعَ مُختَصٌّ ببعض الصَّحَابَةِ، فإن أَدِلَّتَنَا شَامِلَةٌ لسائر الأَعْصَارِ.

وينقسم إلى قطعي، وظني:

فالقَطعِيُّ: ما علم اتَّفَاقُهُمْ فيه، وكان المُجْتَهِدُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، ونقل إلينا بالتَّوَاتُرِ، ومثل ذلك عَزِيزٌ، ويصحُّ التَّمَسُّكُ به في الفِقْهِيَّاتِ، وفي المَطَالِب القَطعِيَّةِ، وفي كل ما لا يَتَوَقَّفُ إِثبَاتُهُ على المُعْجِزَة؛ لأنه دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ، ، ومُسْتَنَدُ جميع الأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ قَوْلُ الرَّسُولِ المُسْتَنِدِ إلى صدقه، وصدق الرسول مُتَوَقِّفٌ على المُعْجِزَةِ، فلو أثبت ما تَتَوقَّفُ عليه المُعْجِزَةُ بالإِجماعِ، لزم الدَّوْرُ.

والظني: ما عداه؛ وهو أن يُظَنَّ اتِّفَاقُهُمْ، أو يكون عَدَدُهُمْ دون عَدَدِ التَّوَاتُرِ، أو ينقل إلينا بالآحاد، ويَصِحُّ الاحْتِجَاجِ به في الفِقهِيَّاتِ، كما صح العَمْلُ بأخبار الآحَادِ.

قوله: "وفيه مَسَائِلُ: المَسْألةُ الأُولَى: إِجماع الأُمَّةِ حُجَّةٌ، خلافًا للنَّظَّام، والخوارج، واحتج الْفُقَهَاءُ بِوُجُوهٍ: الأَوَّلُ: قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ... } الآية. [النساء ١١٥] ".

اعلم: أَنَّ النِّزَاعَ في الإِجْمَاعِ في ثَلاثةِ أَطرَافٍ: في تَصَوُّرِهِ، وتَصَوُّرِ العِلْمِ بِوُقُوعِهِ، وكونه حُجَّةٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>