للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجهُ الاسْتِدْلالِ بِهِ: أَنَّهُ تَعَالى حَرَّمَ مُتَابَعَةَ غَيرِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ، وَتَرْكُ مُتَابَعَةِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ مُتَابَعَةٌ لِغَيرِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ؛ لأَنَّ مُتَابَعَةَ الْغَيرِ عِبَارَةٌ: عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثلِ فِعْلِ، وَلَمَّا دَلَّتِ الآيَةُ عَلَى أَن اتِّبَاعَ غَيرِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ حَرَامٌ، وَثَبَتَ بِالعَقْلِ: أَنَّ تَرْكَ مُتَابَعَةِ الْمُؤمِنِينَ مُتَابَعَةٌ لِغَيرِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ-: وَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ تَرْكُ مُتَابَعَةِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ فَإِذَا حَرُمَ تَرْكُ مُتَابَعَتِهِمْ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُمْ فَيَكُونُ الإِجمَاعُ حُجَّةً.

وَلقَائِلٍ أَن يَقُولَ: هذَا الدَّلِيلُ إِنَّما يَتِمُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَ أَن مُتَابَعَةَ الْغَيرِ عِبَارَةٌ عَنِ الإِتيَانِ

===

وقد منع قوم تَصَوُّرَهُ، وقالوا: فَرْضُ الاتِّفَاقِ على رَأيٍ واحد من الأُمَّةِ؛ كَفَرْضِ الاجتماع على كَلِمَةٍ واحدة، أو على أَكْلِ طَعَامٍ واحد في وَقْتٍ واحد، والعَادَةُ تحيله.

وأجيب: بأنه لا دَاعِيَ لهم إلى الاجْتِمَاعِ على كلمة وَاحِدَةٍ، ولا على التَّغَذِّي بِنَوْعٍ وَاحِدٍ، وللمجتهدين دَاعٍ إلى الاجْتِمَاعِ على الحُكمِ الوَاحِدِ لوجود النَّصِّ القاطعِ، أو الظَّنِّ الغَالِبِ الوَاجِبِ الاتِّبَاعُ بِالقَاطِعِ.

ومنع قوم جَوَازَ العِلْمِ بوقوعه عَادَة، مع اتِّسَاع الخطَّةِ، وكثرة العُلَمَاءِ.

والدليل على جَوَازِ وُقُوعِهِ: أنا نعلم بالقَطع اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةَ على تَقدِيمِ النَّصِّ المَقْطُوعِ به من الطَّرَفَينِ على المَظْنُونِ من الطَّرَفَينِ، أو مَن أحدهما، ونعلم اتِّفَاقَ الأُمَّةِ على أن الصُّبْحَ رَكعَتَانِ، والمغرب ثَلاثُ ركعات.

وأما كونه حُجَّة، فقد أَنْكَرَهُ النَّظَّامُ، والخوارج، والشِّيعَةُ، وإِن سَلَّمُوا في الظَّاهِرِ كونه حُجَّةٌ، فهم مُنَازِعُونَ في البَاطِنِ؛ لاعْتِقَادِهِمْ أنه إنما كان حُجَّة، لاشتِمَالِهِ على قَوْلِ الإِمَامِ المَعْصُومِ، ونحن نَدَّعِي أنه حُجَّةٌ مع نَفْيِ الإِمَامِ المَعْصُومِ، فهم مُخَالِفُونَ لنا في الحَقِيقَةِ.

وقد احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عليه بالنَّصِّ، والعَقْلِ:

أما النَّصُّ: فَآيٌ، وأَخبَارٌ، فمن الآيِ قَوْلُهُ تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ... } [النساء ١١٥] الآية، وقد اسْتَدَلَّ بها الشَّافِعِيُّ في "الرسالة".

وَوَجْهُ الاحتجاج بها: أن اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ، فيجب اتِّبَاعُهُ؛ لأن تَرْكَهُ اتباع لِغَيرِ سبيل المُؤمِنينَ، وإنه حَرَامٌ والدليل على أن ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين وإنه حرام: أن المُتَابَعَةَ عِبَارَةٌ عن الإِتيَانِ بِمِثلِ فِعْلِ المَتْبُوعِ.

والدليل على أن مُتَابَعَة غير سَبِيلِ المُؤمِنِينَ حَرَامٌ: أن الله تعالى جمعها مع المُشَاقَّةِ للرسُولِ - عليه السلام - المُحَرَّمَةِ قَطعًا-: في الوعيد، والمُبَاحُ لا يُجْمَعُ مع المُحَرَّمِ في الوَعِيدِ؛ إذ لا يَحْسُنُ أن يُقَال: من زنى وأكل الحلوى -مع أنها مباحة- فعاقبه.

وقد أَوْرَدَ ها هنا على هذه الحُجَّةِ سُؤَالينِ، وأكثر هو وَغَيرُهُ من إِيرَادِ الأَسْئِلَةِ عليها، وبعضها يَخُصُّ هذه الحُجَّةَ، وبعضها لا يَخُصُّهَا، بل يرجع إلى مُعَارَضَاتٍ وقدحٍ في أصل الإجماع؛ فَلْنُنبِّهْ على ما يَخُصُّهَا؛ وذلك من وجوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>