للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فإنهم لم يَسْتَنِدُوا في قَطْعِهِمْ إلى مَحْسُوسٍ، فإنَّ ذلك وأَمْثَالهُ إنما يَنْشَأُ عن شُبْهَةٍ اتفقت للأقل، وتبعهم الأَكْثَرُ عن تَقْلِيدٍ. وأما اتِّفَاقُهُمْ هم واليَهُودُ على الصَّلْبِ، فإنَّه شُبِّه لهم؛ كما أخبر الله تعالى، وذلك خَرْقُ عَادَةٍ، ونحن إنما نَتَكَلَّمُ على اسْتِقْرَارِ العَادَاتِ، وإلا فيجوز أن يُخْبِرَ العَدَدُ الكَثِيرُ الذي لا يُحْصَى عن مَحْسُوسٍ، ولا يفيد العلم عَقْلًا، لكن الوَاقِعَ خِلافُهُ، وكذلك الجَزْمُ بجميع العَادِيَّاتِ.

ثمَّ يبقى وَراءَ هذه الصُّورِ صُوَرٌ من الإِجْمَاعِ، وهو أن يفرض اجتماعهم عن ظَنِّ غَالِبٍ، أو قِيَاسٍ جليٍّ خَالٍ عن المُعَارِضِ، أو عن لازِمِ نَصَّينِ، أو بأن أفتي بعضهم عن ظَاهِرٍ، وآخَرُونَ عن قِيَاسٍ، وآخَرُونَ عن خَبر وَاحِدٍ، ثمَّ وقع الاتِّفَاقُ على الحُكْم - فإنا لا نشترط في اتفَاقِهِمْ على الحُكمِ اتِّفَاقَهُمْ على المَأْخَذِ.

ومن الصُّوَرِ أيضًا أن يصرحوا بالحكم بالقياس عن بَحْثٍ ومُشَاوَرَةٍ، ثمَّ يَسْتَقِرُّ رَأْيهُمْ على حكم في مثل هذه الصور:

قال بَعْضُ الأَصْحَابِ: يَجِبُ العَمَلُ بها؛ لاسْتِنَادِهَا إلى الإِجْمَاع القَاطِعِ المُتَضَمِّنِ لِلنَّصِّ، وهو إِجْمَاعُ التَّابِعِينَ على تَحْرِيمِ المُخَالفَةِ، وعلى النَّكِيرِ على كُلِّ مَنْ خَالفَ الإِجْمَاعَ، والإجماع على أَنَّ الإِنكَارَ لا يكون إلا عن نَص قَاطِعٍ؛ فإنَّه لو كان عن اجْتِهَادِ، أو قِيَاسٍ جَلِيٍّ يقتضي تَحْرِيمَ المُخَالفَةِ - لكان في مُقَابَلَتِهِ قِيَاسٌ جَلِيٌّ يقتضي حِلَّ المُخَالفَةِ، وهو أن المُجْتَهِدَ الآتي بَعْدَ عَصْرِهِمْ يَقُولُ: أنا مُشَارِكٌ لهم في خِصَالِ الاجْتِهَادِ، ولو كنت في عَصْرِهِمْ، لما انْعَقَدَ إِجْمَاعُهُمْ دوني، ولما حرمت عليَّ المُخَالفَةُ، ولا فَارِقَ سوى الزَّمَانِ، وهو طَرْدٌ مَحْضٌ بالنِّسْبَةِ إلى مَأْخَذِ أحد الأَحْكَامِ، فهذا قِيَاسٌ جَلِيٌّ يَقْتَضِي حل المُخَالفَةِ يعارض القياس المَعرُوض بتَحْرِيمِ المُخَالفَةِ.

وعند تَعَارُضِ الأَقْيسةِ الجَلِيَّةِ لا يمكن العَمَلُ بِمُوجَبِ أَحَدِهِا، إلا بعد التَّرْجِيحِ، ومَسَالِكُ التَّرْجِيحِ مما تَتَشَّعَبُ فيها الآرَاءُ، وتدقُّ فيه الظُّنُونُ، والعَادَةُ تَقْتَضِي أن العَدَدَ الكَثِيرَ لا يجمعون

<<  <  ج: ص:  >  >>