للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُعْتَمَدُ: أَنْ يتمسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩] أَمَرَنَا بِالْكَوْنِ مَعَ الصَّادِقِينَ، فَالْمُرَادُ مِن ذلِكَ الصَّادِقِ: إِمَّا مَنْ يَكُونُ صَادِقًا فِي بَعْضِ الأُمُورِ، أَوْ مَنْ يَكُونُ صَادِقًا فِي كُلِّ الأُمُورِ؛ وَالأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ وَإِلَّا لَكَانَ ذلِكَ أَمْرًا بِمُوَافَقَةِ كِلا الْخَصْمَينِ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَادِقٌ فِي بَعْضِ الأُمُورِ، وَلَمَّا بَطَلَ هذَا؛ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ: مَنْ كَانَ صَادِقًا فِي كُلِّ الأُمُورِ.

===

فيه إِلَّا عن نَصٍّ قَاطِعٍ؛ فَيَجِبُ العَمَلُ بإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ على تَحْرِيمِ المُخَالفَةِ؛ لتضمنه النَّصَّ، ويجب العَمَلُ بكل إِجْمَاعٍ في محلّ لا تَتَشَعَّبُ فيه الآرَاءُ وكلِّ إجماع ظَنِّي؛ لاستناده إلى إِجْمَاعِ التابعين القاطع.

والحَاصِلُ أنَّه يَجِبُ العَمَلُ بكل إِجْمَاعٍ؛ لتضمنه النَّصَّ، أو استناده إلى الإِجْمَاعِ المتضمن للنَّصِّ.

قوله: "فهذه الوُجُوهُ أَقْوَى ما ذكر في هذا البَابِ":

إنما قال "أَقْوَى"؛ لاعتقاده أن هذه الحُجَجَ ظَنِّيَّةٌ، وأن المَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ، وأشار إلى أَنَّ الأصُولِيِّينَ ربما تَمَسَّكُوا بحجج غير هذه: نَقْلِيَّةٍ أو عَقْلِيَّةٍ تركها خَشْيَةَ الإِطَالةِ.

قوله: "والمعتمد في المَسْأَلَةِ أن نَتَمَسَّكَ بقوله تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩] أمرنا بالكَوْنِ مع الصَّادِقِينَ، والمُرَادُ من ذلك الصَّادِقِ من يَكُونُ صَادِقًا في بَعْضِ الأُمُورِ، أو من يَكُونُ صَادِقًا في كُلِّ الأُمُورِ: والأول بَاطِلٌ، وإلا لكان ذلِكَ أَمْرًا بموافقة كلا الفريقين؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما صَادِقٌ في بَعْضِ الأُمُورِ. . . ثمَّ نقول: ذلك الصَّادِقُ الذي تَجبُ مُتَابَعَتُهُ إما أن يَجِبَ في بعض الأُمُورِ، وهو باطل؛ لأنَّ ذلك البَعْضَ غير مُعَيَّنٍ في هذه الآية، وحينئذ يَلْزَمُ الإِجْمَالُ والتَّعْطِيلُ. أو تجب مُتَابَعَتُهُ في كل الأُمُورِ؛ وهو المطلوب ثمَّ نقول ذلك الصادق الذي تجب متابعته في كل الأمور: إِمَّا مجموع الأمة، أو بعضهم: والقِسْمُ الثَّانِي باطل؛ لأَنا لما أمرنا بالكَوْنِ معهم - وَجَبَ أن نكون قَادِرِينَ على الكَوْنِ معهم، وإنما نَقْدِرُ على الكَوْنِ مَعَهُمْ إذا عَرَفْنَاهُمْ بأعيانهم، لكنا نعلم بالضَّرُورَةِ أنا لا نعلم وَاحِدًا نَقْطَعُ فيه بأنه من الصَّادِقِينَ، وإذا كان كَذلِكَ كانت القُدْرَةُ على الكَوْنِ معهم فَائِتَةً؛ وذلك يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ من هذه الآية غَيرَ هذا القِسْمِ، وإذا بَطَلَ هذا، وَجَبَ أن يَكُونَ الصَّادِقُونَ الذين أَمَرَنَا الله تعالى بالكَوْنِ معهم: مَجْمُوعَ الأُمَّةِ، وإِلَّا لَبَقِيَتِ الآيَةُ معطلة؛ وذلك يَدُلُّ على أن الإِجْمَاعَ حجة".

حَاصِلُ دَعْوَاهُ: أن الآيَةَ تَدُلُّ على وُجُوبِ الكَوْنِ مع كل الصَّادِقِينَ من هذه الأُمَّةِ في كل الأمور في كل ما صَدَقُوا فيه عَقْدًا وقَوْلًا وَعَملًا، وتَتِمَّةُ ذلك بحملها على المَوْجُودِينَ من الصَّادِقِينَ في كل عَصْرٍ؛ لإمكان مُتَابَعَتِهِمْ، والكون معهم، وقد اعْتَمَدَ في لُزُومِ العُمُومِ في الأَحْوَالِ الثَّلاثَةِ على أَنَّ التَّخْصِيصَ والتَّقْييدَ بشيء من هذه الثَّلاثَةِ - لا دَلِيلَ عليه في الآية، فلو لم يعم، لَزِمَ: إما التَّكْلِيفُ بالمُحَالِ، أو الجمع بين النَّقِيضَينِ وغيره، أو الترجيح بلا مُرَجِّحٍ، أو الإهمال والتَّعْطِيل للآية عن الدلالة، وكل ذلك باطل، فيجب العموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>