للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُنَا: "الأُمَّةُ مُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ"، فَنَقُولُ: هَبْ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. فَأَمَّا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ فِيهِ؛ فَهُوَ بَعِيدٌ؛ فَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ مُقِرًّا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَمَعَ ذلِكَ: فَإِنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلاةِ؛ لِشُبْهَةٍ رَكِيكَةٍ وَقَعَتْ فِي قْلِبِهِ، وَكَيفَ لَا نَقُولُ ذلِكَ، وَقَدْ رَأَينَا فِي كُتُبِ الْمَقَالاتِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ الله عَنْهُ - أَنْكَرَ كَوْنَ الفاتحة مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَنِ الْخَوَارِجِ: أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَجِبُ الصَّلاةُ إِلَّا فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: ١١٤].

الْحُجَّةُ الثَّانِيةُ: أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الإِجْمَاعُ، لَثَبَتَ: إِمَّا بِدَليلٍ ظَنِّيٍّ، أَوْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ: وَالأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لأَنَّ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنَ المَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ، وَإِثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ الْقَطْعِيِّ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ؛ بَاطِلٌ؛ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ، لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَذلِكَ

===

وهذا نَقْصٌ وَاضِحٌ على قوله: "إِنَّ مَعْرِفَةَ أن هذا القَوْلَ قَوْلُ كُلِّ الأُمَّةِ يَتَوقَّفُ على مَعْرِفَةِ أشخاصهم"؛ فإنا قد عرفنا أن كلَّ واحد من أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - صدَّق بالله ورسوله، وإن لم نعرف أشخاصهم.

قوله: "ربما أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ الصلاة"، هذا لا يمنع القَطْعَ؛ لأنه احتمال لا عن مثار، وكُلُّ احتمال لا عن مثار وَهْمٌ مَحْضٌ، ولو كان قادِحًا لم يَبْقَ لنا عِلْمٌ بِشَيءٍ من العاديات.

قوله: "إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنْكَرَ كَوْنَ الفَاتِحَةِ من القُرْآنِ".

قيل: إِنَّهُ لم يَصِحَّ عنه الإِنْكَارُ، وإنما نُقِلَ عنه أنَّه لم يُثبِتْهَا في مُصْحَفِهِ، فلعل ذلك لظهورها عنده، ثمَّ لا مَانِعَ من الإِنكَارِ في ذلك الزَّمَانِ قبل اسْتِقْرَارِ التَّوَاتُرِ عنده.

ونقلُه عن بَعْضِ الخَوَارِجِ أَنَّ الصَّلاةَ لا تَجِبُ إلا في طَرَفي النَّهَارِ: لا اعتبار به مَعَ قَطْعِ السَّابقِينَ لَهُمْ واللَّاحِقِينَ - بخلافه، وهو كَنَقْلِ السُّوفسطائية للعلوم البَدهيَّةِ.

قوله: الْثَّانِي: لو ثَبَتَ الإِجْمَاعُ، لثبت إمَّا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، أو قَطْعِيٍّ. . ." إلى آخره:

هذا السُّؤَالُ وما بعده من أَسْئِلَةِ المقام الثالث لِمُنْكِرِي الإِجْمَاعِ، وهي من المُعَارضات، وحَاصِلُهُ: أنَّه لو ثَبَتَ لم يَثْبُتْ بغير مُسْتَنَدٍ؛ لأنه ضَلالٌ، والمستند إما ظَنِّي فلا يفيد القَطْعَ، والإِجْمَاعُ -على زَعْمِ مُثْبِتِهِ- حُجَّةٌ قاطعة، والقَطْعِيُّ إِما عقلي، ولا مَجَال له في الأَحْكَامِ الشرعية، وإما سَمْعِيّ، وهو النَّصُّ المتواتر، ولو كان لنقل إلينا، ولعرفه الكل؛ وارْتَفَعَ الخِلافُ.

قوله: "الثالث: أن الله تعالى نهى كُلَّ الأُمَّةِ عن القَوْلِ البَاطِلِ، والفِعْلِ البَاطِلِ، فقال جَلَّ ذكره: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٩] وقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨]، والنَّهْيُ عن الشَّيءِ إنما يَجوزُ عند جَوَازِ الإِتْيَانِ بهِ؛ وذلك يَدُلُّ على إِمْكَانِ إِتْيَانِ مَجْمُوع الأُمَّةِ بالباطل":

وتقريره وَاضِحٌ على اشْتِرَاطِ الإِمْكَانِ في صِحَّةِ التَّكْلِيفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>