للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا ثَبَتَ الإِجْمَاعُ بِدَلائِلَ ظَنِّيَّةٍ، وَهذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا لَيسَتْ مِنَ الْقَطْعِيَّاتِ، بَلْ مِنَ الاجْتِهَادِيَّاتِ.

وَعَنِ الثَّالِثِ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: ذلِكَ النَّهْيُ لَيسَ خِطَابًا مَعَ الْكُلِّ، بَلْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْفَرْقُ بَينَ الكُلِّ وَبَينَ كُلِّ وَاحِدٍ- مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَدَّعِي عِصْمَةَ الكُلِّ، لَا عِصْمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ.

وَعَنِ الرَّابعِ: أَنَّهُ -عَلَيهِ السَّلامُ- إِنَّمَا تَرَكَ حُكْمَ الإِجْمَاعِ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - لأَنَّ الإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ حُجَّةَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ، عَلَيهِ السَّلامُ.

وَعَنِ الخَّامِسِ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: إِنَّ إِجْمَاعَهُمْ كَانَ عَنْ دَلِيلٍ، لَكِنَّهُمْ مَا نَقَلُوهُ

===

قوله: "وعن الثَّانِي: أَنَّا نُثبِتُ الإِجْمَاعَ بدليل ظَنِّيٍّ، وهذه المَسْأَلَةُ عندنا لَيسَتْ من القَطْعِيَّاتِ، بل من المجتهدات":

هذا الاخْتِيَارُ مَذْهَبُ أبي الحُسَينِ من المعتزلة، وقد تَقَدَّمَ أَن مَذْهَبَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ أن المسألة قَطْعِيَّةُ، وأدلتها قَاطِعَةٌ، وأن مُعْتَمَدَهُمْ في القَطْعِ. إما التَّمَسُّكُ بالنصوص، ورَدُّ تَأْويلِهِ بِمُعَاضَدَةِ بعضها إلى بعض، وتَضَافُر فَحْوَاهَا، وإما الأخبار المُتَوَاتِرَةُ المعنى، وإما التَّمَسُّكُ بالمَسْلَكِ العادي الذي ذَكَرَهُ الإِمَامُ، وقد تقدم ذِكْرُ الجميع.

ثم الإِجْمَاعُ بعد ذلك يَنْقَسِمُ إلى مَقْطُوعٍ، ومَظْنُونٍ: فالمَقْطُوعُ: ما يكون عَدَدُ المُجْمِعِينَ فيه عَدَدَ التَّوَاتُرِ، والمحل المُجْمع عليه مما تَتَشْعَّبُ فيه الآرَاءُ، وتدقُّ الظُّنُونُ، وينقل عنهم بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ، فهذا مقطوع المَتْنِ والنَّقْلِ.

والمظنون: يَنْقَسِمُ إلى مَظْنُونٍ من الطَّرفَينِ، أو أحدهما، فيجب العَمَلُ به؛ لاسْتِنَادِهِ إلى الإِجْمَاعِ القَاطِعِ، ومحلُّ اسْتِعْمَالِهِ الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ كأخبار الآحَادِ.

قوله: "وعن الثَّالِثِ: لم لا يَجُوزُ أَنَّ ذلك النَّهْيَ ليس خِطابًا مع الكل، بل مع كل واحد؟ والفَرْقُ بينهما مَعْلُومٌ بالضرورة" وهذا وَاضِحٌ. ولو سلم أن النَّهْيَ يَتَنَاوَلُ الكُلَّ لم يَضُرَّ؛ لأن شرْطَ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ الجَوَازُ العَقْلِي، ولا يمنع نفي الوُقُوعِ بالسَّمْعِ؛ فإنَّا لا نَدَّعِي عِصْمَتَهُمْ عَقْلًا، وإنما نَدَّعِيهَا سَمْعًا، أو عَادَةً.

قوله: "وعن الرَّابعِ: أنه -عليه السَّلامُ- إنما ترك الإِجْمَاعَ في خبر مُعَاذٍ؛ لأن الإِجْمَاعَ لا يكون حُجَّةً في زَمَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -:

يعني: لأن إجماعهم دُونَهُ - عليه السلام - لا عِبْرَةَ به، ومع قَوْلِهِ لا حَاجَةَ إليهم.

قوله: "وعن الخَامِسِ: لم لا يَجُوزُ أن يُقَال: إِجْمَاعُهُمْ كان عن دَلِيل، لكنه ما نُقِلَ عنهم؛ لحصول الإِجْمَاعِ؛ فإنه مَتَى حَصَلَ الثَّانِي، كان الأَوَّلُ لَغْوًا" هذا تَجَوَّرٌ في العِبَارَةِ، ومقصوده: أن الأَدِلَّةَ إنما تُورد لإثبات الحُكْمِ، فإذا حَصَلَ استغنى بنقله، وقولهم: "إنه لا يَنْعَقِدُ عن أَمَارَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>