للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: "إِنَّهُ ادَّعَى كَوْنَهُ صَادِقًا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ، وَثَبَتَ بِالْمُعْجِزَةِ كَوْنُهُ صَادِقًا فِي هذِهِ الدَّعْوَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ صَادِقًا فِي هذِهِ الدَّعْوَى- كَوْنُهُ صَادِقًا فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى"؟ !

===

دَعْوَاهُ، فوجب القَوْلُ بكونه صَادِقًا":

أورد عليه إِشْكَالٌ، فقيل له: إذا كان من مَذهَبِكُمْ أن الله -تعالى- يُضِلُّ من يَشَاءُ، ولا يقبح منه شيء، ولا مَانِعَ من ظُهُورِ المُعْجِزَةِ على يد الكَاذِب؛ وحينئذ لا يَثبُتُ صِدْقُهُ.

وَأُجِيبَ عنه بِجَوَابَينِ بِنَاءً على الاخْتِلَافِ فِي وَجْهِ دلالة المعجزة أنها عَادِيَّةٌ، أو عَقلِيَّةٌ:

فمن قال: إِنها عادية -وهو اختيار الإمَامِ- قال: وإن جَوَّزنَا ذلك عَقْلًا، إلَّا أن ذلك لا يمنع جَزْمَنَا بدلالتها على الصِّدْقِ، بناء على استمَرار العَادِيَّاتِ؛ كما أنَّا وإنْ جوَّزنَا أن يقلب الله -تعالى- الجبل ذَهَبًا لا يمنع جَزْمَنَا بأنه الآن بَاقٍ على صِفَتِهِ، ولو وقع لانْسَلَّت العُلُومُ من الصدور.

وأما من قال: إِن دلالتها عَقْلِيَّةٌ -وهو اختيار الأستاذ أبي إِسْحَاقَ- فإنه يقول: إن تَخْصِيصَ هذا المدعي بِخَلْقِ الخارق على وفْقِ دَعْوَاهُ وتحديه- دليل على إرادة الله -تعالى- لتصديقه؛ لما دَلَّ تخصيص المُمْكِنَاتِ بوجوه صَحَّ فِي العَقْلِ وقوعها على خِلَافِهَا على أنَّهُ -تعالى- مُريدٌ لذلك.

فنقول فِي جَوَابِهِ: إنه لا يصِحُّ على هذَا التَّقْدِيرِ صُدُورُهَا على يَدِ كَاذِبٍ؛ لأن الدَّلِيلَ العَقلِيَّ يدل بذاته ونفسه، فلو وجد غير دَال لا نْقَلَبَ الدَّلِيلُ شُبْهَةً، وقلب الأجناس محال.

وأما أن اللهَ -تعالى- يُضِلُّ من يَشَاءُ- فنقول: يضل من يَشاء، ولكن لا بالدَّلِيلِ من الوَجْهِ الَّذي كان به دَلِيلًا.

قوله: "فإن قَالُوا: لم لا يَجُوزُ أن يُقَال: إنه ادعى كَوْنَهُ صَادِقًا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ، وثبت بالمعجزة كونه صَادِقًا فِي هذه الدعوى، ولا يلزم من كونه صادقًا فِي هذه الدعوى: كونه صادقًا فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى":

حاصل هذا الاعتراض القول بِمُوجَبِ الدَّلِيلِ بأنه يَقُولُ بأنكم ادعيتم وُجُوبَ صِدْقِهِ فِي كل ما يخبر به، ودليلكم لا يَدُلُّ إلا على صِدْقِهِ فِي الإخبار عن نُبُوَّتِهِ.

[قوله]: "قلنا: لا معنى للنبوة، إلا كونه مُبَلِّغًا لِلأَحْكَامِ عن الله -تعالى- فإذا جَوَّزنَا كذِبَهُ فِي شيء، فقد بَطَلَتِ النُّبُوَّةُ، وإن لم نُجَوِّز ذلك، فهو المَقْصُودُ فيه":

[هذا] استدراك؛ فإن معنى النُّبُوَّةِ اصْطِفَاؤُهُ بأن يُوحَى إِلَيهِ، فإن أمر بعد ذلك بِتَبْلِيغِ ما أوحى إليه كان رَسُولًا، فكل رسول نَبِيٌّ، وليس كل نبي رَسُولًا، ومراد المُصَنِّفِ بالنبوة

<<  <  ج: ص:  >  >>