للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَامِسُ: الْقَرَائِنُ إِذَا حَصَلَت مَعَ قَوْلِ الْوَاحِدِ، فَقَدْ يُفِيدُ العِلْمَ؛ كَمَا إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَرِيضًا، ثمّ إِنَّ وَلَدَهُ خَرَجَ حَافِيًا حَاسِرًا مَشقُوقَ الْجَيبِ مُنَادِيًا بِالْوَيلِ وَالثُّبُورِ- فَإنَّهُ يَحْصُلُ العِلْمُ بِأَنَّ ذلِكَ الإنْسَانَ قَدْ مَاتَ. وَهذِهِ الْقَرَائِنُ غَيرُ مُطَّرِدَةِ؛ فَإنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ ذلِكَ الإنْسَانَ لَم يَمُتْ، وَأَنَّهُ أَظْهَرَ الْمَوْتَ لِغَرَضٍ آخَرَ؛ إلا أَنَّ ذلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْقَرَائِنِ مُفِيدَةً لِلْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ.

===

مُعْجِزَةٌ، بل اكتفى فِي صِدْقِهِ بتصديق نَبِيٍّ له ثبت صدقه.

قوله: "الخامس: إِذَا احتفت القَرَائِنُ مع القول الوَاحِدِ، فقد يفيد العلم؛ كما إذا عَلِمْنَا أنَّ رَجُلًا كان مَرِيضًا، ثم إن وَلَدَهُ خرج حَافِيًا حَاسِرًا مَشْقُوقَ الجَيب، مُنَادِيًا بالوَيل والجَزَع؛ فإنه يحصل لنا العلم بأن ذلك الإنْسَانَ قد مَاتَ- وهذه القَرَائِنُ غير مُطَّرِدَةٍ؛ فإنه يمكَن أن يظَهر أن ذلك الإنْسَانَ لم يَمُت، وأنه أَظهَرَ المَوْتَ لِغَرَضٍ آخر، إلا أن ذلك لا يَقْدَحُ فِي كون القَرَائِنِ تُفِيدُ العِلْمَ فِي الجُمْلَةِ":

زعم النَّظّامُ، والإمام، والغزالي أن مِثْلَ هذا الخَبَرِ يفيد العِلْمَ.

وقال القاضي وغيره: لا يفيد.

واحتج المُنْكِرُونَ بوجوه:

الأَوَّلُ: قالوا: لو أَفَادَتِ القَرَائِنُ العِلْمَ بما ظهر الأَمرُ بخلافه، وقد يَظهَرُ مع ما ذكره من القَرَائِنِ البُكَاة والندبة، والنِّيَاحَةُ، وتغيير الأحوال، وحضور الكَفَنِ، وخُرُوج الجَنَازَةِ، وغير ذلك- كونه مُغمى عليه أو مسكتًا أو خبل بذلك لغرض خوف سلطان أو غيره.

الثَّاني: لو أَفَادَتِ القَرَائِنُ العِلْمَ، لجاز إلَّا يدل خبر التَّوَاتُرِ؛ لانتفاء القَرَائِنِ؛ ولأنه لَوْ دَلَّ لَاطَّرَدَ فِي كلِّ خبر وَاحِدٍ.

وأجيب عن الأَوَّلِ بأن الظُّهُورَ على خِلافِ الأَمْرِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لا يمنع دلالتها مُطْلَقًا، ونحن لم نَدَّع وُجُوبَ إفَادَةِ القَرَائِنِ.

الثالث: ذلك فِي كلل صورة، وإنما ادَّعَينَا أنها قد تُفِيدُ على الجُمْلَةِ، وهذا يُضَاهِي قَوْلَ الفُقَهَاءِ: إن تَعْلِيلَ الثُّبُوتِ على الجملة لا ينتقض بانتفاء الحكم فِي صورة؛ كتعليل أصل البيع بالحاجة، ينتقض بِعَدَم شَرْعِهِ فِي بياعات نهي عنها بعينها مع الحَاجَةِ اليها، كيف وإِنَّ قَرَائِنَ الأَحْوَالِ قد تَستَقِلُّ بِإِفَادَة العِلْم؛ كما يعْلَمُ بها خَجَلُ الخَجِلِ، وخوف الخائف، وحال العَطْشَانِ، والمحب، ويكذب عند ادعاءَ خلافه.

وعن الثاني: أن التَّوَاتُر لا يَنْفَكُّ عن القَرَائِنِ، ولو سلم انْفِكَاكُهُ، فهو إِلْزَامُ عكس الدليل،

<<  <  ج: ص:  >  >>