واشتراط كَونِ المُخبَرِ عَنهُ مَحسوسًا يَتَضَمَّنُ اشتِرَاطَ كونه مَعلُومًا لِلمُخبرَ، وشَرَطَ الإِمَامُ أن يكون عن اطِّرَادٍ، وهو أَعَمُّ من مَحسوسٍ، ومراده أن يَدْخُلَ فيه ما يُستَفَادُ من قَرَائِنِ الأَحوَالِ لا الأَوَّليَّات؛ فإن كُلَّ وَاحِدٍ يَعلَمُ ذلِكَ بِمُجَرَّدِ العَقْلِ؛ فلا حَاجَةَ فيه إلى الخَبَرِ، وقد حَافَظَ على عَكسِهِ، فأبطل طرده.
قال الإِمَامُ: والفَرقُ بين حُصُولِ العِلم عن ذلك، وعَدَمِ حُصُولِهِ أَن الأَخبَارِ عن المستَند إلى النَّظَرِ- ليس مما يُحَاولُ المَرءُ فيه تَعلِيلًا، وفَرقًا، أو دَلِيلًا؛ بل المَرجِعُ فيه إلى العَادَةِ؛ فإنا رَأَينَا العَادَةِ مُستمِرَّة في النفي والإِثبَاتِ.
وقال الغَزَّاليُّ: وَلَعلَّ الفَرقَ أن المُخبِرَ عن حُدُوثِ العَالمِ قد يُخبِرُ عن اعتِقَادِهِ، ولا قَرِينَةَ تَمَيِّزُهُ عن العِلم، ويمكن الفَرْقُ بأنهم إذا أَخبَرُوا عن مَحسُوسٍ، فقد تَوَارَدُوا على مُخبَرٍ وَاحِدٍ بعينه، وإذا أخَبروا عن نَظَرٍ، فكُل وَاحِدٍ منهم إنما يُخبِرُ عن نَظَرِ نَفسِهِ؛ فلم يَتحِدِ المُخبَرُ عنه.
قوله: "وَالثانِي كون المُخبِرِينَ بحالةٍ تَمْنَعُ اتفَاقَهُم على الكَذِب، وتلك الحَالةُ المَانِعَةُ من إِمكَانِ الكذب قد تَكُونُ بِبُلُوغِ المُخْبِرِينَ في الكثرة إلى حَيثُ لا يمكنَ اتِّفَاقُهُم على الكَذِبِ، وقد