للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمْكَانِ الكَذِبِ قَد تَكُونُ بِبُلُوغِ المُخبِرِينَ في كَثرَتِهِم إِلَى حَيثُ يَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُم عَلَى الكَذِبِ؛ وَقَد تكُونُ بِحصُولِ سَائِرِ القَرَائِنِ.

وَهذَانِ الشَّرطَانِ كَافِيَانِ في كَوْنِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ، إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُونَ

===

تكُونُ بِحُصُولِ سَائِرِ القَرَائِنِ، وهذان شَرْطَانِ كَافِيَانِ في كَونِ الخَبَرِ المتواتر يفيد العِلمَ".

قلت: اخْتَلَفَ النَّاسُ في شُرُوطِ خَبَرِ التَّوَاتُرِ، وقد اعتبروا شُرُوطًا منها ما يَصِحُّ، ومنها ما لا يَصِحُّ: فأما ما يَصِحُّ: فمنها ما يَعُودُ إلى المخبرين، وهو ما ذَكَرَهُ من الشَّرطَينِ.

ومنها ما يَعُودُ إلى السَّامِعِينَ، وهو ألا يكون مُوجبُ التَّوَاتُرِ مَعْلُومًا بالضرورة للسَّامِعِ؛ فإنه إذا كَانَ حَاصِلًا امتَنَعَ إِفَادَةُ الخَبَرِ له، وشَرَطَ المُرْتَضى من الشَّيعَةِ ألا يَكُونَ مُعْتَقِدًا نقيضِهِ عن شُبهَةٍ، أو تَقلِيدٍ، وإنما شرط ذلك؛ لِزَعْمِهِ تَوَاتُر النَّصِّ على إِمَامَةِ عَلِيٍّ - كرم الله وجهه - وإن كان لا يُفِيدُ العِلمَ عند خُصُومِهِم؛ لاعتقادهم نقيض ذلك.

قوله: "هذَا إِذَا كَانَ المُخبِرُونَ يخبرون عن مُشَاهَدَ، وأما إن اخبَرُوا أن قَومًا أَخبَرُوهُمْ بأن الأَمرَ كذلك، وَجَبَ اعْتِبَارُ الشَّرطَينِ المَذكُورَينِ في تلك الوَاسِطَةِ":

يعني: أنه يُشتَرَطُ في الطبَقَةِ الثانِيَةِ ما اشتُرِطَ في الأُولَى، وكذلك الثالِثَةُ، والرَّابعَةُ إلى أن يَصِلَ إِلَينَا؛ كَنَقلِ القُرْآنِ الكَرِيمِ إِلَينَا.

وأما الشُّرُوطُ الفَاسِدَةُ: فِقد شَرَطَ قَوْمٌ ألا يَحويَهُم بَلَدٌ، ولا يحصرهم عَدَدٌ، وهو باطل؛ فإن أَهل جَامِعِ "بغداد" مَثَلًا لو أخبَرُوا عن سُقُوطِ مُؤَذِّنٍ عن المَنَارَة يوم الجُمُعَةِ، لأفاد العِلمَ.

ومنهم من شَرَطَ إلَّا يكونوا من أَهْلِ بَلَدٍ وَاحِدٍ ولا من أَبٍ وَاحِدٍ، وهو بَاطِلٌ؛ فإن أَهلَ "قسطنطينية" لو أَخبَرُوا بِمَوتِ مَلِكِهِم لأفَادَ العِلمَ.

وشرط اليَهود أَن يكونوا تَحتَ ذِلَّةٍ وصَغَارٍ؛ ليحاولوا بذلك القَدْحَ فيما نَنْقُلُهُ من مُعجِزَاتِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأُلْزمُوا ألَّا يَحْصُلَ لهم عِلمٌ بنقل شَرِيعَتِهِم قبل ذِلَّتِهِم، ولو شرط عكسه، لَكَانَ أَقرَبَ؛ لاستِغنَائِهِم عن الكَذِبِ.

وشرط الإِمَامِيَّةُ، ويُعزَى إلى ابن الرَّاوندي اشتِمَالهُمْ على الإِمَامِ المَعصُومِ، وقد سَبَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>