للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخبِرُونَ عَنِ الْمُشَاهَدَةِ. فَأمَّا إِن أَخْبَرُوا أَن قَوْمًا أَخبَرُوهُم بِأَن الأَمرَ كَذلِكَ - وَجَبَ اعتِبَارُ الشَّرطَينِ المَذْكُورينِ في تِلْكَ الْوَاسِطَةِ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: في أَنَّ الخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمِ؛ وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّا لَمَّا سَمِعنَا أَنَّ في الدُّنْيَا بَلْدَةً يُقَالُ لهَا: : "الصِّينُ" - وَجَدَّنَا نُفُوسَنَا سَاكِنَةً في وُجُودِ هذِهِ البَلْدَةِ، وَلَمَّا سَمِعْنَا أَنَّهُ كَانَ في الدُّنْيَا إِنْسَان يُقَالُ لَهُ: "مُوسَى" وَ"عِيسَى" - وَجَدْنَا نُفُوسَنَا سَاكِنَةَ؛ وَذلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ المُتَوَاتِرَ، يُفِيدُ العِلمَ.

===

بُطلانُهُ، ويلزمهم ألَّا يحْصُلَ العِلمَ بقول دُعَاتِهِ، وَرُسُلِهِ، ولا بخبر أهل بلدة ليس هو منها.

ولا يُشتَرَطُ فيهم العَدَالةُ، ولا الإسلامُ؛ لحُصُولِ العِلمِ بدون الجميع.

قوله: "البَحثُ الثَّاني: في أنَّ الخَبَرَ المُتَوَاتِر يفيد العِلمَ، وتقريره: أنا لما سَمِعْنَا أن في الدُّنيا بَلدَةٌ يقال لها: "الصِّين" وَجَدْنَا نُفُوسَنَا سَاكِنَةٌ في وُجُودِ هذه البَلدَةِ، ولما سَمِعنَا أن في الدنيا إِنسَانًا يقال له: "موسى" و"عيسىى" وَجَدْنَا نُفُوسَنَا سَاكِنَةً، وذلك يَدُلُّ على أن الخَبَرَ المُتَوَاتِرَ يفيد العِلمَ":

وقد أَشارَ بهذين المِثَالينِ إلى أنه يُفِيدُ العِلْمَ، سواء كان في زَمَانِنَا، أو في المَاضِي.

وقد أنكرت فِرقَةٌ من المُلحِدَة البَرَاهِمَةِ تعرف بـ "السُّمَنِيَّةِ" إِفَادَتَهُ العِلمَ عن الماضي؛ تَوَسُّلًا إلى القَدْحِ في النُّبُوَّاتِ؛ فإنه من مُقَدِّمَاتِهَا، ومنهم من مَنَعَ إِفَادَتَهُ لِلعِلْمِ مُطلَقًا؛ خشية المُنَاقَضَةِ.

ولنا: أنا نجِدُ من أَنْفُسِنَا العِلمَ الضَّرُورِيَّ بوجود البِلادِ النَّائِيةِ، والأمم السَّالِفَةِ بمجرد الإِخبَارِ، كما نجد العِلمَ بالأُمُورِ المُشَاهَدَاتِ من غير أن يُعَارِضَنَا فيه شَكٌّ ولا شُبهَة، وجميع ما يُورِدُونَهُ تَشكِيكٌ في الضروريات، لا يستحق الجَوَابَ لولا التَّنَزُّلُ، وقد تَمَسَّكُوا بأمور:

الأول: قالوا: التَّفَاوُتُ حَاصِل بين مُوجَبِ هذه الإخبارَاتِ، وبين قولنا: الواحد نصفُ الاثنين، والتفاوت دليل عَدَمِ العِلمِ؛ إذ لا تَفَاوُتَ في العُلُومِ.

الثاني: أن خَبَرَ كُل وَاحِدٍ يَتَطَرَّقُ إليه الكَذِبُ، والخَطَأ، والنسيان، والإجماع لا ينفيه؛ لأنه مَانِع منه في الاثنين، والثلاثة، والأربعة، والعَقلُ لا يَهتَدِي لتعيين عَدَد؛ فَوَجَبَ أن يبقى الجَوَاز.

قالوا: وَهذَا كَقَولِكُمْ في إِبطَالِ حَوَادِثَ لا أَوَّلَ لها: إنه لَمَّا كَانَ لكل حَادِث بذاته، كان للمجموع بذاته.

الثَّالِثُ: قالوا: لو أَفَادَ العِلمَ، لأفاد خَبَرُ اليَهُودِ العِلمَ ببقاء شَرِيعَةِ موسى - عليه السلام -، وهو عدد كثير، وكذلك خَبَرُ النَّصَارَى بِصَلبِ المَسِيحِ، - عليه السلام -.

<<  <  ج: ص:  >  >>