للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَحْثُ الثَّالِثُ:

قَال الكَعْبِيُّ: الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَقِيبَ سَمَاعِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ نَظَرِيٌّ.

===

وأُجِيبَ عن الأَوَّلِ بأن التَّفَاوْتَ رَاجِعٌ إلى كثرة الاسْتِئنَاسِ بِتَصوُّرِ إحْدَى القضيتين دون الأُخْرَى.

وعن الثَّانِي: أَنَّا لا نُنْكِرُ تَطَرُّقَ الجَوَاز العَقلِيِّ، وإنما الاعْتِمَادُ في حُصُولِ العِلْمِ به على العَادَةِ، وللقرائن فيه مَدْخَلٌ عظيم، ولذلك يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ المُخْبِرِينَ، والمخبر عنه.

وعن الثالث: أنا لا نُسَلِّمُ تحقق شَرَائِط التَّوَاتُرِ في أَخبَارِ اليَهُودِ؛ فإن من شَرَائِطِهِ اسْتِوَاءَ الطرفين والوَاسِطَةِ، والكثرة في اليَهُودِ تُخْبِرُ عن قِلَّةٍ، فإن بختنصر لم يُبْقِ من أَحبَارِهِمْ من تَقُومُ الحُجَّةُ بنقلهم.

وقيل: إن ابْنَ الرَّاونْدِيّ لَقَّنَهُمْ ذلك، ولا يعرف من غير جِهَتِهِ.

وأما خَبَرُ النَّصَارَى فالمُتَّفَقُ عليه صَلْبُ شَخص على شَبَهِ المَسِيحِ، وهو خَرْقُ عَادَةِ، والكلام في إِفَادَةِ التوَاتُرِ العِلمَ مَبْنِيٌّ على اسْتِقْرَارِ العادة.

قوله: "البَحْثُ الثالث: قال الكَعْبيُّ: العِلْمُ الحَاصِلُ عَقِيبَ سَمَاع الخَبَرِ المتواتر- نَظَريٌّ، وقال البَاقُونَ: ضَرُورِيٌّ، وهو المُختَارُ؛ لأن هذا العِلْمَ يَحْصُلُ للعَوَامِّ والأَطفَالِ، مع أن الدَّلِيلَ الذي يَذكُرُونَهُ في كَوْنِ التَّوَاتُرِ يفيد العِلْمَ- دقيق، على ما بَيَّنَّا في كتاب "المَحْصُولِ"، وبَيَّنَّا أن العِلْمَ الظَّاهِرَ الحاصل لكل أَحَدٍ على طَرِيقِ الخَفَاءِ- مُحَالٌ":

اعلم أن القَوْلَ بأن هذا العِلْمَ نَظَرِي مَكسُوبٌ بالاستدلال يُعْزَى إلى الكَعْبِيِّ، وأبي الحُسَينِ، وأبي بكر بن الدَّقَّاقِ، واعتذر له الإمام، وللغزالي صَغْوٌ إليه في بعض كُتُبِه، وتوقف فيه المُرْتَضَى من الشَّيعَةِ، والآمدي.

وقال الجمهور: إنه ضَرُورِيٌّ.

واحتجوا بما أَشَارَ إليه، وهو أن العِلْمَ النَّظَرِيَّ يَتَوَقَّفُ على أَهْلِيَّةٍ، وحصول العلم به بدون أَهْلِيَّةٍ من البُلْهِ والصِّبْيَانِ- دَلِيلٌ على أنه ليس بِنَظَرِيٍّ. واعتذروا عما أُلْزِمُوا بأنه قد يَلْتَبسُ العلم النظري بالضَّرُورِيِّ؛ لقرب مُقَدَّمَاتِهِ من الصورة، ولزومها في الذِّهْنِ، فَيَشتَرِكُ فيه الأَكَثَرُ، ويظن أنه ضَرُورِيٌّ؛ وليس كذلك، كَعِلْمِنَا بأن الوَاحِدَ نصْفُ الاثنين.

وأُجِيبَ عنه بأن حُصُولَ العِلْمِ بِأَمْرٍ مع عَدَمِ الشعُورِ به- مُحَالٌ، وفيه مغالطة؛ فإن الكَلامَ في صفته.

واحتج الكَعْبِيُّ بأنه لو كان ضَرُورِيًّا، لعلم كونه ضَرُورِيًّا.

وأجاب القاضي وغيره عنه بأَنَّهُ لا يَلْزَمُ من العِلْمِ بالشيء؛ ضَرُورَةً أن تعلم صِفَتُهُ بالضرورة.

وضعف الجواب بأن العِلْمَ المُتَعَلِّقَ بِالعِلْمِ بالشيء، أما أن يَكُونَ نَفْسَ ذلك العِلْمِ المُتَعَلِّقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>