عَدَدٍ يُفْرَضُ فِي القُوَّةِ وَالضَّغفِ- فَالعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ، إِنْ حَصَلَ ذلِكَ الْعَدَدُ بِنُقْصَانِ وَاحِدٍ أَو اثْنَينِ يُسَاويهِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَمَتَى عَلِمْنَا حُصُولَ الْعِلْمِ، عَلِمْنَا: أَنَّ الأَحْوَال الْمُوجِبَةَ لِلْعِلْمِ كَانَت حَاصِلَةً عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ.
الْبَحْثُ الْخَامِسُ: مَتَى سَمِعْنَا الْخَبَرَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَسْمَعُهُ غَيرُنَا، وَلَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ- عَلِمْنَا قَطعا أَنَّهُ غَيرُ مُتَوَاتِرٍ.
===
وقيل: أقله اثنا عشر؛ لقوله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: ١٢].
وقال أبو الهُذَيلِ: أقله عشرون؛ لقوله تَعَالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَينِ} [الأنفال: ٦٥].
وقيل: أربعون؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)} [الأنفال: ٦٤]، وكانوا أربعين.
وقيل: سبعون؛ لقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: ١٥٥]، وإنما اختارهم ليخبروا قَوْمَهُمْ.
وقيل: ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أهل "بَدْرٍ"؛ إذ بهم اسْتَقرَّ الدين.
وقيل: عدد بيعة الرِّضوانِ، وكانوا ألفًا وسبعمائة، ولا يخفى سقوط هذه التحكمات، ويكفي في ذلك عَدَمُ تعلقها بالمقصود، ومعارضة بعضها بعضًا.
قال الإمام: ولسنا نَجِدُ حَدًّا في القَلِيلِ والكثير؛ كما ورد تَحْدِيدُ الشهود، فإن رَامَ ذُو تَحْصِيلٍ في ذلك ضَبْطًا، فليفرض خبر واحد عن مَحْسُوسٍ، وخبر اثنين، ثم كذلك يَزِيدُ صَاعِدًا، وهو في ذلك يعلم ما يَزِيدُ إلى أن يَنْتَفِيَ الرَّيبُ، وَيحْصُلَ العِلْمُ الضَّرُورِيُّ؛ فذلك عَدَدُ التَّوَاتُرِ.
قال: فإن اتَّفَقَ مِثلُ هذا العدد في صُورَةٍ أخرى غير مُوجِب للعلم، فذلك كتخلل كاذبين، وما ذكره قاله القَاضِي في بَعْضِ كُتُبِهِ؛ بناء على مَذْهَبِهِ أن العَدَدَ يستقل بِتَحْصِيلِ العلم دون القَرَائِنِ.
والذي ارتضاه المُحققون أن للقرائن فيه مَدْخَلًا عَظِيمًا في إِفَادَتِهِ للعلم، ولا يكاد يَتَجرَّدُ عنها وإن ظَنَّ المَرْءُ تَجْريدَ نَفْسِهِ عنها؛ وعلى هذا قَالُوا: لا ضَابِطَ له، إلا ما أَفَادَ العِلْم على ما ذكره المُصَنفُ، ورب سبب لشيء لا يُعْلَمُ كَوْنُهُ سَبَبًا إلا بَعْدَ حُصُولِ أَثَرِهِ؛ كالقَدْرِ المُحَصَّلِ للشبَع من الطعام، والقدر المُحَصَّلِ للرِّيِّ من المَاءِ، ولا ينكر حُصُول العلم بخبرهم بِتَزَايُدٍ خَفِيٍّ، لكَن العَقْلَ لا يضبطه؛ كما يَحْصُلُ كَمَالُ العَقْل بتزايد، والقُوَى البَشَريَّةُ قَاصِرَةٌ عن دَرْكِ ذلك.
قوله: "البَحْثُ الخامِسُ: متى سَمِعْنَا الخَبَرَ على الحَدِّ الذي سمعه غَيرُنَا، ولم يَحْصُل لنا العِلْمُ، علمنا أنه غَيرُ متواتر":
تَصْويرُ هذا الفرع على رَأْي مَنْ يعتقد استقلال العدد بإفادة العلم واضح، وأما من يعتقد أن لِلْقَرَائِنِ فيه مَدْخَلًا؛ كالإِمَامِ والمصنف- ففيه عُسْرٌ؛ فإنها تَخْتَلِفُ بِاختِلافِ المُخْبِرِينَ وَالمُخْبَرِ