قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، بِكَلام يُزِيلُ تِلْكَ الشُّبْهَةَ، وَالنَّاقِلُ أَخَلَّ بِنَقْلِهِ؛ لأَنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَقِدْ ذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُقَال: إِنَّهُ -عَلَيهِ السَّلامُ- كَانَ جَاهِلًا بِالله تَعَالى؛ وَالْجَاهِلُ بِالله تَعَالى لَا يَكُونُ نَبِيًّا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَنَاقِضًا فِي نَفْسِهِ؛ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: "كُلُّ كَلامِي كَذِبٌ"؛ فإنَّه بتَقْدِيرِ أنْ يُقَال: "إِنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فِي كُل مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي الزَّمَانِ المُتَقَدِّمِ": فَقَدْ كَانَ صَادِقًا في الإِخْبَارِ عَنْ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا، وَبِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي هَذَا الْكَلامِ: فَقَدْ كَانَ صَادقًا في كلِّ مَا تَقَدَّمَ، وَهذَا بِخِلافِ قَوْلِهِ: "كُلُّ كَلامِي صِدْقٌ": فَإِنهُ لَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ صَادِقًا فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي هذَا الكَلامِ أَيضًا.
الثَّالِثُ: الشَّيءُ الَّذِي يَتَقَدَّرُ وُقُوعُهُ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ: فَإِذَا لَمْ يَشْتَهِرْ -دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ؛ لأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى انْتِقَاءِ الْمَلْزُومِ؛ بِهذَا الطرِيقِ عَرَفْنَا: أنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يُعَارَضْ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ النَّصُّ الجَلِيُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- وَسَائِرُ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ -عَلَيهِ السَّلامُ- فَهِيَ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيثُ تَتَوَفرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، إلا أَنَّهُ
===
وقوله والكيفُ مَجْهُولٌ؛ يعني: أن تعيين مَحْمَل من المحامل السَّابِقَةِ مَجْهُولٌ لنا.
وقوله: وَالإِيمَانُ به وَاجِبٌ؛ أي: التصديق بأن له مَجْمَلًا يَصِحُّ واجب.
وقوله: والسؤال عنه بِدْعَةٌ؛ أي: عن تعينه بالطرُقِ الظَّنِّيَّةِ؛ فإنه تصرف في صِفَاتِ الله وأسمائه بِرَجْمِ من الظُّنُونِ، ولم يُعْهَدْ من الصحابة؛ فهو بِدْعَةٌ، وإنما عملوا بالظُّنُونِ في الأَحْكَامِ الشرعية، وجوّز المتأخرون ذلك لرفع الخَبْطِ عن العقائد، والأَوَّلُ أَحْوَطُ، والله أعلم.
قوله: "الثاني: أن يَكُونَ مُتَنَاقِضًا في نفسه؛ كَقَوْلِ القائل: كل كَلامِي كَذِبٌ؛ فإنه بتقدير أَن يُقَال: إنه كان كَاذِبًا في كل ما تكلَّم به في الزمن المتقدم- كان صادقًا في الإخبار بأنه كان كاذبًا وبتقدير أن يكون كاذبًا في هذا الكلام، فقد كان صادقًا في كل ما تقدم، وفي هذا الكَلامِ أيضًا": هذا وَاضِحٌ.
قوله: "الثَّالث: إن الشَّيءَ إذا كان يتقدر وُقُوعُهُ تَتَوَافُرُ الدَّوَاعِي على نَقْلِهِ"، يعني: إما بكونه مُهِمًّا في الدين، أو لِغَرَابَتِهِ، أولهما.
قوله: "فإذا لم يَشتَهِرْ دَلَّ على أَنَّهُ لم يُوجَدْ؛ لأَنْ انتفاء اللازم يدل على انْتِفَاءَ المَلْزُومِ، وبهذا الطَّرِيقِ عَلِمْنَا أن القُرْآن لم يُعَارض وأنه لم يُوجَدِ النَّصُّ على إِمَامَةِ عَلِيٍّ":
هذا الذي ذكره مَقْطُوعٌ به عَادَةَ، إلا أنه يرد عليه إِشكَالات تَحْتَاجُ إلى الجَوَاب عنها:
منها: قوله: "وأما سَائِرُ مُعْجِزَاتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وان كانت تَتَوَافَّرُ الدَّوَاعِي على نَقْلِهَا، إلا أنها حَصَلَتِ الغُنْيَةُ بثبوت نُبُوَّتِهِ - عليه السلام - بأن القُرْآنَ عن نَقلِهَا يغني فلا يَرد نَقضًا لهذه القَاعِدَةِ": ويمكن أن يقال: أكثرها لم يَحْصُرْهَا العَدَدُ الكَثِيرُ، وإنما شَاهَدَهَا منه الآحاد؛ فلم يتم شَرْطُ التَّوَاتُر، ولا تحدى بها؛ فلم يتم شَرْطُ المُعْجزَةِ، وإنما هي آيَاتٌ.