للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومن تمام البَحْثِ فِي هذا الأَصْلِ ذكر طرق اختلف العُلَمَاءُ فِي إِفَادَتِهَا لِصِدْقِ الخبر:

الأولى: إذا أخبر شَخْصٌ بحضرة رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه: قال قَوْمٌ: يكون صِدْقًا.

وقال الفَخْرُ: يمكن أن يَكُونَ سُكُوتُهُ عن الإنْكَارِ لأنه كان بَيَّنَةُ، وهو مما لا يَقْبَلُ التَّغْيِيرَ،

فعلى هذا لا يفيد العِلْمَ بِصِدْقِهِ إلَّا بشرطينَ: ألا يكون قد تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وألا يكون جائز التغيير، هذا إذا كان فِي أَمْرٍ ديني.

فإن كان فِي أَمْرِ دنيوي، فيحتمل أن يكون سُكُوتُهُ لأنه ما عَلِمَهُ، أو لأنه لا تَدْعُو الحَاجَةُ إليه، فلا بد فِي صِدْقِهِ من عَدَمِ الأمْرَينِ.

الثَّانية: إذا أخبر شَخْصٌ بحضرة جَمْعٍ يفيد خَبَرُهُمْ العِلْمَ، وادعى عليهم العِلْمَ بما سمعوه، فلم ينكروا:

قال قوم: يُفِيدُ العِلْمَ، ومَثَّلُوهُ برواية بَعْض الصحابة: أنَّه كان - عليه السلام - - فِي غزوة كَذَا، وأنه رَآهُ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ والماء يَنْبُعُ من بين أَصَابِعِهِ، وتوضأ النَّاسُ من الماء اليَسِيرِ، وهم عدد كثير، فروايته لذلك ودَعْوَاهُ عليهم المشاهدة من غير نَكِيرٍ- دَلِيلٌ على صدقه.

وما ذكروه لا يَطَّرِدُ فِي كل صُورَةٍ؛ إذ لا يبعد السكوت فِي بَعْضِ الوقائع تَقِيَّةً، أو سياسة، أو مَهَابَةً، أو خوفًا؛ كخبر ذي شَكْوَةٍ ظالمًا فِي مجد سلطنته، والحق أنَّه يفيد الظن القوي.

الثالثة: ذَهَبَ أبو هَاشِمٍ، وجماعة إِلَى أن عَمَلَ الأُمَّةِ على وَفْقِ خَبَرِ الوَاحِدِ- دليل على صِدْقِهِ.

قال الفَخْرُ: وهو باطل؛ لوجوب العَمَلِ بخبر الواحد- وإن لم يقطع بِصِدْقِهِ؛ ولجواز أن يَكُونَ دَلِيلُ عملهم غَيرَهُ.

وزاد بَعْضُهُمْ: إن تَلقوهُ مع الفِعْلِ بالقَبُولِ قَوْلًا، لا يمتنع التَّصْدِيقُ؛ بِنَاءً على ظَاهِرِ العَدَالةِ.

الرابعة: قالت الزيدية: بقاء النَّقْل مع تَوفُّرِ الدَّوَاعِي على إِخْفَائِهِ- دَليلٌ على صدقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>