للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلقَائِلٍ أن يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أن يَكُونَ المُرَادُ من ذلِكَ الإِنذَارِ هُوَ الإنذَارَ بِالفَتوَى؟ !

وَهذَا أَوْلَى؛ لأنهُ تَعَالى رَتَّبَ هذَا الإِنذَارَ عَلَى التَّفَقُّهِ في الدِّينِ، وَالإِنذَارُ المَوقُوفُ عَلَى التفَقهِ في الدينِ هُوَ الْفَتوَى.

الحُجةُ الثانِيَةُ مَا رُويَ أَن النبِيَّ -عَلَيهِ السَّلامُ- كَانَ يَبعَثُ رُسُلَهُ إِلَى القَبَائِلِ؛ لِتَعلِيمِ

===

قوله: "ولقائل أن يَقُولَ: لم لا يَجُوزُ أن يكون المُرَادُ من الإِنذَارِ هو الإِنذَار بالفَتوَى؟ وهو أَوْلى؛ لأنه -تعالى- رَتَّبَ الإِنذَارَ على التفَقهِ في الدِّين, والإِنذَارُ المَوقُوفُ على التفَقهِ في الدينِ هو الفَتوَى":

يرد عليه أن مَضمُونَ الآية البَحْثُ على الخُروجِ مع رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - للغزو بِإِظهَارِ ما تَرَتبَ عليه بعد ما علم من فَوَائِدِهِ من الأَغرَاضِ المُهِمةِ لِلعقَلاءِ من التفَقهِ في الدينِ، والإنذار، ولكل واحد منهما غَرَضٌ حَامِل على الخُرُوجِ، وليس في ذلك ما يَقتَضِي تَرتِيبَ أَحَدِهِمَا على الآخَرِ؛ فإنه عطف أحدهما على الآخر بـ "الواو" ولا إِشعَارَ لها بالترتِيبِ, والتفَقُّهُ لغَةً أَعَلم من التهَيؤِ لِلفُتيَا؛ فحمله على ذلك بَعِيدٌ, لكن لِقَائِلٍ أن يَقُولَ: لم قلت: إِنه يَلزَمُ من وُجُوبِ الإِنذَارِ وُجُوبُ العَمَلِ به، وغايته لزومُ القَبولِ بخبرهم، ولا يلزمْ من وُجُوبِ القَبُولِ بخبرهم استِقلالُ العَمَلِ به؛ كما لا يَلزَم من وجُوبِ أَدَاء شهادة العَدلِ ووجوب قَبُولِهَا، استِقلالُ الحُكمِ بها؟ !

قوله: "الثانية: ما رُويَ أنه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبعَثُ رُسلَة إلى القَبَائِلِ لِتَعلِيمِ الأَحكَامِ؛ وذلك يَدُل على أن خَبَرَ الوَاحِدِ حُجة":

هذا المَسلَكُ احتج به الشافِعِيّ، واعتمد عليه جُمهُورُ الأَئِمةِ؛ فإنه علم قَطعًا ويقينًا من سِيرَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يَبعَثُ كتبه على أيدي الآحَادِ، وسُعَاتِهِ، ورسله، وَوُلاتِهِ, وقد بعث معَاذًا، وعَلِيًّا , وَعَمرَو بنَ حَزمٍ إلى "اليمن"، ومصعب بن عُمَيْرٍ إلى "المدينة"، وَعَتَّاب بن

<<  <  ج: ص:  >  >>