للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحتجَّ المُثبِتُونَ بِأَشيَاءَ:

الحُجةُ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢].

وَجهُ الاسْتِدلالِ: أَن الفِرقَةَ ثَلاثةٌ، وَالطائِفَةُ مِنَ الفِرقَةِ: إما اثنَانِ وإمَّا واحد، وَقَد أَوْجَبَ الله تَعَالى عَلَى كُل طَائِفَة أن يَتَفَقهُوا في الدِّينِ؛ لِغَرَضِ أن يُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم، ثُمَّ أَوجَبَ عَلَى أُولَئِكَ السامِعِينَ لِتِلْكَ الإِنْذَارَاتِ الحَذَرَ؛ لأَن قَوْلَهُ تَعَالى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}: كَلِمَةُ رجَاءِ، وَهُوَ عَلَى الله مُحَال؛ فَوَجَبَ حَملُهُ عَلَى الإِيجَابِ.

===

بكلمة الإِيمَانِ، أو علمتم حُكمَ الله -تعالى- عند النطقِ بذلك من جرَيَانِ أَحكَامِ الإيمان عليهن.

قوله: "واحتج المُثبتُونَ بحجج: الأولى: قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] وَجهُ الاستدلال أن "الفرقة" ثلاثة، والطائفة من الفرقة إما الاثنان أو الواحد، فقد أوجب الله -تعالى- على كُل طَائِفَة أن يَتَفَقهُوا في الدينِ بغرض أن يُنذِرُوا قومَهُم إذا رَجَعُوا إليهم، ثم أوجب على أولئك السَّامِعِينَ لذلك الإنذار الحذر؛ لأن قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} كلمة رجاء وهو على الله محال، فوجب حمله على الإيجاب".

قوله: "أن الفرقة ثلاثة" مُستدرَك؛ فإنه يوهم أنها لا تُطلَقُ إلا على الثلاثةِ، وليس كذلك؛ بل الثلاثة فرقة؛ فإن الفِرقةَ والطائِفَةَ من الناس بعضهم، وبعض الناس يَصدُقُ على الثلاثةِ، والاثنين، والواحد، وإذا صح إِطلاقُ الفِرقَةِ على الثلاثةِ، والطائفة من الفرقة بعضها - تَعَيَّن أن يكون الطائِفَةُ على هذا التقدير فيها اثنين، أو واحدًا كما ذكر.

قوله: "كلمة "لَعَل" لمة رجاء، وهو على الله -تعالى- مُحَال":

يعني: لأنه -تعالى- عَالِم بما سَيَكُونُ.

قوله: "فوجب حَملُهُ على مَجَازِهِ":

يعني: لِتَعَذُّرِ إرادة الحقيقة، فيحمل على ما يَستَلزِمُهُ الرَّجاء من الطلَبِ، ويتعين أن يكون الطلَبُ ها هنا لِلوُجُوبِ؛ لترتبِ الحَذَرِ عليه، وَالحَذَرُ إِنما يَتَحَققُ عِنْدَ سَبَبِ الخَوفِ، وَهُوَ من خَصَائِصِ الوُجُوب.

وَيرِدُ عليهَ أنه لا تَتَغَيَّرُ إِضَافَةُ الرجَاءِ في الآية إلى الله -تعالى- ليجب تأويله وحمله على الطلَبِ, بل جاز أن يُقَال: إِن ذلك حَثٌّ للفرقة النافرة على إنذار قَومِهِم إذا رَجَعُوا إليهم إنذَار من يرجو حذرهم؛ كقوله -تعالى- لمُوسَى وَهَارُونَ -عليهما السلام: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] أي: قول من يرجو تَذكُّرَهُ وخَشيَته مع عِلْمِ الله -تعالى- أن فِرعَونَ لا يَتَذَكرُ ولا يَخشَى, فلم قلتم: إن هذا غَيرُ مُرَادٍ؟ ! .

<<  <  ج: ص:  >  >>