هذا ما أشار إليه من الأسئِلَةِ، ولم يذكر [أجوبتها] ها هنا، ولا يحسن منه تَركُ أجوبَتِهَا مع قوله: إن النصفَ مِن مَسَائِلِ الأُصُولِ مُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا الدلِيلِ؛ فإن يُورثُ غَضًّا من الشريعَة في نُفُوسِ الضعَفَاءِ. [وها هي الأجوبة]:
أما مَنعُ بلوغ الرِّوَايَاتِ حَدَّ التوَاتُرِ، فلا نسلم؛ فإن فيها كثرة، وما ذكره منها فللتنبيه، لَا لِلحَصرِ، وبه قال الصحابة منذ مَاتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامِلِينَ بذلك من غير إنكار إلى انقراض جميعهم، وهو قَرِيب من مائة سنة، وهي مع اختلافها مُشتَرَكَة في العَملِ بخبر الواحد العدل؛ وذلك يفيد التواتر المعنَوي؛ كالعلم بشجاعة عَلِيٍّ، وسخاء حَاتِم، ثم التابعون بَعدَهُم عَمِلُوا بذلك من غير نَكِير، وَمَن تَصَفَّحَ مَوَارد العمل منهم أَفَادَهُ العِلم الضرُورِي بذلك، وعلم أن بَعضَهُم كان يَنقُلُ خَبَرَ بَعض، ولا يكتبه تَوَاتُرًا؛ لاستِفَاضَتِهِ.
وعن الثاني: القَطعُ بأنهم إنما عَمِلُوا لأَجلِهَا بدليل قَرَائِن الأحوال والمقال؛ فإن أكثرهم رَجَعَ إلى موجبها بغير تَرَدد، وطلب السمَاع؛ كَمُنَاشَدَةِ أبي بكر في ميراث الجدة، وقول عمر في حديث الغُرَّةِ: لو لم نسمع هذا اكتفينا بِغَيرِهِ، وتصريح ابن عمرَ بِتَركِ المُخَابَرَةِ بخبر رافع بن خديج، وعَدَم التعَرض منهم لمأخذ سِوَى المَنقُول، وتقرر هذه الأمور، وعدم الوقوف مع البَحثِ في مآخذ هذه الوَقائِعِ سواه، ومجموع ذلك يُفِيدُ العلم بأن العمل لأجلها.
وعن الثالث -وهو منع سكوت الباقين-: ما ذكر أنه لو أنكروا لاشتهرَ، ولنُقِلَ، ولَوصَلَ إلينا؛ فإن العمل بخبر العدل أَصل عَظيمٌ مُهِمٌّ في الدين يستَنِدُ إليه كثير من الأحكام، ومع تقرره وكثرة وقوعه منهم وما جُبِلَتِ النفوس عليه؛ من المُخَالفَةِ؛ إذا لم ينقل شيء من ذلك -قطع بعدمه عادة؛ كما يقطع بأن القرآنَ لم يُعَارَض، وبعدم النص على إِمَامَةِ شَخص بعينه، وكيف يخفى مثل هذا الإِنكَارِ، وينقل إِنكَارُ عَائِشَةَ على زَيدِ بن أَرقَمَ في العينة، وعلى ابن عُمرَ