وَأَيضًا: الْفَرْقُ ثَابِتٌ؛ لأَنَّ الحُكمَ الْحَاصِلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ وَالْفَتوَى، لَا يُفِيدُ شَرْعًا بَاقِيًا عَلَى جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أَمَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ: فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُفِيدُ ذلِكَ.
وَأَيضًا: إِذَا أَثبَتُّمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ بِالْقِيَاسِ- لَزِمَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ أَضعَفَ حَالًا مِنَ الْقِيَاسِ؛ وَذلِكَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ.
===
قوله "وأيضًا فإن الفَرْقَ أن الحُكمَ الحَاصِلَ بسبب الشهادة والفَتْوَى، لا يفيد شَرْعًا عَامًّا بَاقِيًا على المُكَلَّفِينَ إلى قيام السَّاعَةِ وأما خَبَرُ الوَاحِدِ فإنه يُفِيدُ -بتقدير صِحَّتِهِ- ذلك": يعني: فمحذور الخَطَأ فيه أَعْظَمُ.
قوله: "أيضًا إذا أَثبَتُّمْ خَبَرَ الوَاحِدِ بالقياس، لزم أن يكون خَبَرُ الوَاحِدِ أَضعَفَ حَالًا من القِيَاسِ؛ وذلك باطل بالإجماع":
يعني: لِكَثرَةِ مُقَدِّمَاتِهِ، فتطرُّق الخَلَلِ إليه أكثَرُ.
قوله: "والحُكمُ الَّذِي يَطلُبُونَهُ يجب أن يَكُونَ أَعْلَى حَالًا من القياس، فلا يفيده هذا الدَّلِيل": ولم يُجِبْ عن هذِهِ الأسئلة، والجَوَاب عنها:
قوله: "إن هذا الدَّلِيلَ لا يُفِيدُ إلا الظَّنَّ الضعيف" ممنوع؛ فإنه قِيَاسٌ جَلِيٌّ، وهو إن لم يَكُنْ قَاطِعًا، فإنه يُدَانِي القَطْعَ؛ فإن الحُكمَ في الأَصْلِ ثَابِتٌ بالإِجْمَاعِ، والقياس مَعْمُولٌ به في الأُمُورِ الشرعية -على ما سَنُقَرِّرُهُ- بالإِجْمَاعِ، والمعنى الذي لأجله ثَبَتَ الحُكمُ في الأَصْلِ -وهو عُمُومُ الحَاجَةِ إلى الحُكمِ وعسر اليقين- مُتَحَقِّقٌ في الفَرْعِ بالإجماع.
وما فرق به من التَّفَاوُت في عُمُومِ الحكم [و] دَوَامه بالنِّسْبَةِ إلى المجتهد، وخُصُوصه
بالنسبة إلى المُقَلِّدِ- مَمْنُوعٌ؛ فإن الخَبَرَ لا يَقتَضِي حُكمًا إلا لمن وَقَفَ عليه، وَيتَقَيَّدُ دَوامُهُ بحياته،
وكذلك فَتوَى المُجْتَهِدِ بالنسبة إلى العَاميِّ، وقد يَعُمُّ لا سِيَّما فيما يَقتَضِي كَفًّا، أو تكليفًا دائمًا.
ولو سلم التفاوت من هذا الوَجْهِ، فيعارضه أنه إذا كان مُقْتَضَاهُ عُمُومَ الحُكمِ ودوامه -كانت الحَاجَةُ إليه أَمَسَّ، والحاصل منه بتقدير الثُّبُوتِ بِنَاءً على الصِّحَّةِ- منفعة عامة دَائِمَةٌ، أو دَفْعُ ضَرَرٍ عام دائم؛ فقد اسْتَوَيَا في عُمُوم الصَّلاحِ بتقدير الثُّبُوتِ؛ بناء على الصِّحَّةِ، وفي عموم الفساد ودوامه بتقدير عَدَمِ الصِّحَّةِ، لكن الثُّبُوتَ مَبْنِيٌّ على احتمال رَاجِح؛ وهو احتمال الصِّدْقِ المَبنِيِّ على عَدَالةِ الرَّاوي، وجَزمِهِ بالرواية، والفَسَادُ مَبنِيٌّ على احتمال مَرْجُوحٍ؛ وهو تَقدِيرُ الكَذِبِ منه أو الخطأ، والمبنى على الراجح رَاجِحٌ، والمبنى على المَرْجُوحِ مَرْجُوحٌ؛ وحينئذ يكون ثُبُوتُ الحُكمِ في الفَرْع بطريق الأولى، ومن وَجْهٍ آخَرَ؛ وهو أنه إذا وَجَبَ العَمَلُ بخبر المُفْتِي عن اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، فلأَن يجب بِإِخبَارِهِ عَنْ قَوْلِ الرسول أَوْلَى؛ لأن الخَطَأَ فيه أَقَلّ.
فقوله: "إنكم إذا أثبتم خَبَرَ الوَاحِدِ بالقياس، لزم أن يَكُونَ أضعَفُ الحكم الذي تطلبونه أقوى.
فنقول: لا نُسَلِّمُ أنه يَكُونُ أَضْعَفَ مُطْلَقًا، بل قد يَكُونُ بطريق الأولى، كقياس العمياء على