للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدِ -عَلَيهِ السَّلامُ-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المَائِدَةُ: ٣]، وَإِكمَالُ الدِّينِ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْقَدْرُ الَّذِي وُجِدَ كَامِلًا وَتَامًّا، وَمَتَى كَانَ القَدْرُ كَامِلًا تَامًّا - كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيهِ لَغْوًا غَيرَ مُعْتَبَرَةٍ؛ وَحِينَئِذٍ: لَا يَبْقَى للظَنِّ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ عِبرَةٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْقُرْآنَ وَافٍ بِبَيَانِ جَمِيعِ الأَحْكَامِ- وَإِذَا كَانَ وَافِيًا بِجَمِيعِ الأَحْكَامِ، لَمْ يَبقَ للظَّنِّ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ أَثَرٌ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَنٍّ حُجَّةً، وَلَوْ كَانَ الأَمْرُ كَذلِكَ -لَكَانَ ظَنُّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَن خَبَرَ الْوَاحِدِ لَيسَ حُجَّةً- مُعْتَبَرًا، وَمَا أَفْضَى ثُبُوتُهُ إِلَى نَفْيهِ، كَانَ بَاطِلًا.

===

يكون [إذا كان] ذلك القدر الذي وجد كَاملًا تَامًّا، ومتى كان ذلك القدر كاملًا تامًّا كانت الزيادة عليه لَغوًا غير مُعْتَبَرَةٍ؛ فحينئذ لا يَبْقَى لِلظَّنِّ الذي ذَكَرْتُمُوهُ عِبْرَةٌ.

الثالث: أَنا بَيَّنَّا أن القُرْآنَ وافٍ بِتِبْيَانِ جَمِيعِ الأَحْكَامِ.

الرابع: أَنَّ الطَّرِيقَ الذي ذَكَرْتُمُوهُ يُوجِبُ أن يكون كُلُّ ظَنٍّ حُجَّةً، ولو كان كذلك، لَكَانَ ظَنُّ مَنْ غلب على ظَنِّهِ أن خَبَرَ الوَاحِدِ ليس بِحُجَّةٍ مُعْتَبَرًا، وما أَفْضَى ثُبُوتُهُ إلى نَفْيِهِ، كان بَاطِلًا": وقد يُوَجَّهُ هذا السُّؤَالُ نَقضًا، فيقال: فيجب العَمَلُ بخبر الكَافِرِ إذا ظُنَّ صِدْقُهُ، والفَاسِق، ويلزم قَبُولُ شَهَادَةِ العَبِيدِ والنساء في القِصَاصِ والحُدُودِ، وشَهَادَةِ الوَاحِدِ في المال، والاثنين في الزِّنَا؟ !

ولم يُجِبْ عن هذه الأَسْئِلَةِ، والجواب عنها:

أما الآيُ فَأكثُرَهَا وَارِدٌ في ذَمِّ الاكتفاء به في عُقُودِ التَّوْحِيدِ، ونحن نَقُولُ به، أو نقول: أَجْمَعْنَا على تَخصِيصِهَا بِقَوْلِ المُفْتِي وَالشَّاهدين، وإنما خص للمشترك، فالتَّخْصِيصُ ثَمَّ يكون تَخصِيصًا هَهُنَا.

وأما تَمَسُّكُهُمْ بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة ٣] فنقول: لم يقل: بِمُجَرَّدِ الكِتَابِ، بل إِكمَالُهُ بالكتاب المُبَيَّنِ على لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَقْوَالِهِ، وأفعاله، وتقريره، وبالنَّظَرِ إلى مَعْقُولِهِ؛ كما قَال اللهُ تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل ٤٤] فالسُّنة مُبَيِّنَةٌ لمُجْمَلِهِ ولمؤوله، ومُخَصِّصَةٌ لعمومه، ومقيدة لمُطلَقِهِ؛ قَال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب ٣٤] وقيل: الحِكمَةُ ها هنا: السُّنَّةُ، وليس في الكِتَابِ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ، ولا بيان الأَرْكَانِ من السُّنَنِ، ولا تقديرُ نُصُبِ الزَّكَاةِ، ولا مِقْدَار المُخرَجِ، ولا أَفْعَال الحَجِّ، ولا شرائط البَيعِ والنكاح، ولا مقدار ما يُقْطَعُ فيه، ولا بَيَانُ مَحَلِّ القَطْعِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>