لِلْمُبَالغَةِ في الرَّدِّ وقد أورد الخُصُومُ على هذِهِ الآيَةِ أنها مُشْتَرِكَةُ الدلالة؛ فإنه عَلَّلَ مَنْعَ قَبُولِ خبر الفَاسِقِ بعِلَّةٍ مَوْجُودَةٍ في خَبَرِ العَدْلِ، وهي عَدَمُ العِلْمِ والجهالة؛ كما نَبَّهُ عليه بقوله تعالى:{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالةٍ}[الحجرات ٦].
وأجاب القاضي عنه بأن الجَهَالةَ هَهُنَا بمعنى السَّفَاهَةِ وفعلِ ما لا يَجُوزُ فِعْلُهُ لا العَقْد غير المُطَابق؛ بدليل قَوْلِهِ تعالى:{فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات ٦]، فلو كان المراد به الغَلَطَ في العقد، لما جَازَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ والفتوى.
لا يقال: إن الفَرْقَ أن الفَتوَى في مَحَلِّ الضَّرُورَةِ؛ لأن وُجُوبَ تحصيل صِفَاتِ الاجتهاد على كُلِّ أَحَدٍ غير مُتَيَسَّرٍ، لا سيما الضعفاء التمييز، واشْتِغَالُ الجميع به عَائِقٌ عن المَعَاشِ الذي به بَقَاءُ العالم، وفي توقيف الشهادة على حُصُولِ العِلْمِ تَضيِيعٌ لحقوق النَّاسِ، والمجتهد إذا عدم النص والإجماع ولوازمهما يرجحُ البراءة الأَصْلِيَّة.
لأنا نَقُولُ: معرفة النُّصُوصِ، ومَوَاقِعِ الإجماع للجميع قَرِيبٌ، ويمكن الرُّجُوعُ بعدها إلى البَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ.