وأُجِيبُوا بأنا لا نُسلِّمُ وُجُوبَ تَعْمِيمِ الحكم عَقلًا، وما المانع أن يَكُونَ التَّبليغُ بحسب الإِمْكَانِ، والتكليف به مَشرُوطٌ بالبلاغ، دمانما علمنا التَّعْمِيمَ من الشَّرْعِ.
قوله:"والمُعْتَمَدُ في المَسْأَلَةِ قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات ٦] أَمر بالتَّبَيُّنِ بعد وصفه بكونه فَاسِقًا، وكونه فَاسِقًا يُنَاسِبُ ألا يُقبل خبره، وذكر الحُكمِ عَقِيبَ الوَصْفِ المناسب يُشْعِرُ بالعِلِّيَّةِ، فهذا يَقتَضِي أن يكون كَوْنُهُ فَاسِقًا علة لعدم قبول خبره.
وإذا ثَبَتَ هذا، فنقول: خَبَرُ الوَاحِدِ إنْ لَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ، لَمْ يَبقَ لِكَوْنِهِ فَاسِقًا أَثَرٌ فِي الدَّفْعِ، لكنَّا بَيَّنَّا أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّأْثِيرِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةً في الجملة": يعني: أنه لو كَانَ مَرْدُودًا لكونه خَبَرَ وَاحِدِ، سواء كان فَاسِقًا أو عَدْلًا، لكان معللًا بالذاتي الَّلازِمِ السَّابِقِ، فلا أَثَرَ للطَّارِئ العَارِضِ، وهو الفِسْقُ.
قالوا: وتقريره من وَجْهٍ آخر؛ وهو أن تَقْييدَهُ بالفِسْقِ يَدُلُّ على الانتفاء؛ عملًا بِمَفْهُومِ الشرْطِ. وهذه الحُجَّةُ قد اعْتَمَدُوا فيها على دَلالةِ الإِيمَاءِ على التَّعْلِيلِ، ووجوب اتحاد العِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، ووجوب عكسها، أو دليل الخطاب، وكل هَذِهِ المُقَدِّمَاتِ ظَنِّيَّةٌ ضعيفة، وقد قَال بِخَبَرِ الوَاحِدِ من يَنْفِي أَكْثَرَهَا، كيف وتَخصِيصُ الرَّدِّ وتعْلِيلُهُ بالفِسْقِ في الآية جَارٍ على سَبَبٍ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد بَعَثَ الوَلِيدَ بْنَ عقبة لأَخذِ الصَّدَقَاتِ من بني المُصْطَلق، فخرجوا ليلقوه، فَخَافَ منهم، فَانْصَرَفَ رَاجِعًا، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ ارْتَدُّوا، فَهَمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِغَزوهِمْ، فأنزل اللهُ -تعالى- هذه الآيَةَ، ثم إن الموحدة وإن كَانَت كَافِيَةً في الرَّدِّ، ولا يمتنع التَّعَرُّضُ للفسق