للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّعْدِيلِ كَثِيرَةٌ، فَإِذَا بَيَّنَ الرَّاوي اسْمَ الشَّخْصِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ - يُمْكِن التَّأَخُّرُ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ أَسْبَابِ جَرْحِهِ وَتَعْدِيلِهِ؛ وَحِينَئِذٍ: يَصِيرُ اعْتِقَادُهُ فِي قُوَّةِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ قَويًّا. أَمَّا إِذَا لَمْ يُبَيِّنِ اسْمَهُ [و] عَجَزَ الْمُتَأَخِّرُ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَى أَحْوَالِهِ؛ فَيَكُونُ اعْتِقَادُهُ فِي صِحَّةِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ ضَعِيفًا.

الثَّانِي: أَنَّ عَدَالةَ الأَصْلِ غَيرُ مَعْلُومَةٍ؛ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ رِوَايَتُهُ غَيرَ مَقْبُولَةٍ:

بَيَانُ الأَوَّلِ: أَنَّ ذَاتَهُ غَيرُ مَعْلُومَةٍ، وَالجَهْلُ بِالذَّاتِ يُوجِبُ الجَهْلَ بِالصِّفَاتِ.

بَيَانُ الثَّانِي: أَنَّ قَبُولَ رِوَايَتِهِ يُوجِبُ وَضْعَ شَرْعٍ عَامٍّ فِي حَقِّ كُل الْمُكَلَّفِينَ؛ وَذلِكَ

===

لما اسْتَشعَرَ أَنَّ تَرْكَ هذا الأَصْلِ في العَمَلِ بالمسند، احتاج إلى الفَرْقِ؛ فقال: إنما خُولِفَ النَّافِي لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ لم يَتَحَقَّقْ مثله في المُرْسَلِ؛ فوجب البَقَاءُ على حُكْمِ الأَصْلِ. ثم أشار إلى الفَارِقِ بأن أَسْبَابَ الجرح والتَّعْدِيلِ كَثِيرَةٌ، فإذا سمى العَدْلُ اسْمَ الشَّخْصِ الذي يَرْوي عنه، أَمْكَنَ المتأخر أن يَبْحَثَ عن أَسْبَابِ جَرْحِهِ وتَعْدِيلِهِ، وحينئذ يصير اعْتِقَادُهُ في تلك الرِّوَايَةِ قَويًّا.

أما إذا لم يُبَيِّنِ اسْمَ الشَّخْصِ، وعَجَزَ [المتأخر] عن الوُقُوفِ على أحواله، فيكون اعْتِقَادُه [في] تلك الرِّوَايَةِ ضَعِيفًا.

غَايَةُ ما فرق به أن الثِّقَةَ بمن سمى أتم، والظن بِعَدَالتِهِ أَقْوَى. وهذا يُعَارِضُهُ أنه إذا لم يُسَمِّهِ، فقد التزم تَعْدِيلَهُ، وعهدته، وإذا سَمَّاهُ وَأَطلَقَ الرواية والسَّمَاعَ منه، لم يلتزم عُهْدَتَهُ، ووكل النظر فيه إلى غيره.

وقد غلت طائفة، فَرَجَّحَتهُ على المُسْنَدِ بذلك، لا سيما إذا كَانَ المُرْسِلُ من أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كابن مَعِينٍ، وأحمد، ومَالِكٍ، وعلم من حَالِهِ -أو صرح بقوله- أنه لا يَرْوي إلَّا عن عَدْلٍ.

وقد سُئِلَ مَالِكٌ عن عَدَالةِ رَجُلٍ فقال: هل رأيته في كتابي؟ فقال له السِّائِل: لا، فَقَال: لو كان عَدْلًا لَرَأَيتَهُ، وقال: أدركت عَدَدَ سَوَاري هذا المَسْجِدِ رِجَالًا، لَوْ نُشِرَ أَحَدُهُمْ بالمِنْشَارِ مَا كَذَبَ على رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لم آخذ عن أَحَدٍ منهم حَدِيثًا؛ لأنهم لم يَكُونُوا من أَهْلِ هذا الشَّأْنِ.

فإن قيل: فقد رووا عمن لو سَأَلُوا عنه: عَدَّلُوهُ تارة، وجَرَّحُوهُ أخرى، وسَكَتُوا أُخرَى:

قلنا: التَّحْقِيقُ أن من عُرِفَ بالرِّوَايَةِ عن العَدْلِ وغيره، فإرساله غير مَقبُولٍ، وكذلك إِرْسَالُ غير العَالِم بأسباب الجَرْحِ والتعديل، فإنه لو سَمَّاهُ وَعَدَّلَهُ، لم يُكْتَف به.

وإِنَّمَا مَوْرِدُ البَحْثِ، ومحلُّ التَّجَاذُبِ غَيرُ هذا.

قوله: "الثاني: أن عَدَالةَ الأَصْلِ غَير مَعْلُومَةٍ، فَوَجَبَ أن تكون رِوَايَتُهُ غَيرَ مَقْبُولَةٍ:

بَيَانُ الأَوَّلِ: أن ذَاتَهُ غير مَعْلُومَةٍ، والجهل بالذات يُوجِبُ الجَهْلَ بالصِّفَةِ.

وبيان الثاني: قَبُولُ رِوَايَتِهِ تُوجِبُ شَرْعًا عَامًّا في حَقِّ كل المكلَّفِينَ، وذلك ضَرَرٌ مَنْفِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>