للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ مُعْتَبَرَتَانِ فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ثُبُوتِ ذلِكَ الْحُكْمِ فِي أَصْلِ ذلِكَ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمُقَدِّمَاتِ -وَهِيَ تَعْلِيلُ الحُكْمِ فِي الأَصْلِ بِعِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ

===

وقال أبو الحُسينِ: إن كانت العِلِّيَّةُ، وحكم الأَصْلِ بِنَصٍّ قاطع -فالقِيَاسُ أَوْلَى، وإن كان الأَصْلُ مَقطُوعًا به خَاصَّةً فموضع اجْتِهَادٍ، وإلا فالخبر أَوْلَى، والمُختَارُ إن كَانَتِ العِلَّةُ المَنْصُوصَةُ رَاجِحَةً على الخَبَرِ في الدَّلالةِ، وكان وُجُودُهَا في الفَرْعِ مَقْطُوعًا به- فالقياس أَوْلَى، وإن كانت رَاجِحَةً ووجودها في الفَرْعِ مَظْنُونٌ، فالوقف، وإلَّا فَالخَبَرُ أَوْلَى.

هذا إذا قلنا: إن النَّصَّ على العِلةِ لا يُخرِجُهُ عن القِيَاسِ، وهو الصحيح.

احتج الأَصْحَابُ بأن عُمَرَ تَرَكَ القِيَاسَ في الجَنِينِ بخبر حمَلِ بن مَالِكٍ، وقال: لَوْلَا هذا لَقَضَينَا بغرة؛ يعني: لأن فيه إِيجَابَ الضَّمَانِ مع الشك في سببه، وهو أنه مَاتَ بِجِنَايَتِهِ، وتركَ القياس في احْتِسَابِ دِيَةِ الأَصَابِعِ على قَدْرِ مَنَافِعِهَا؛ لحديث عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ من غير إنكار، وكان رَأْيُهُ أن في السَّبَّابَةِ عَشْرًا، وكذا الوُسْطَى، وفي البِنْصَرِ تِسْعٌ، وفي الخِنْصَرِ ست، وفي الإِبْهَامِ خمس عشرة، وفي دَعْوَى أن هذا قِيَاسٌ نَظَرٌ، ولا ننكر أن القِيَاسَ يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ على هذَا الوَجْهِ، فبعيد من نَظَرِ العَقْلِ.

احتج المَانِعُونَ بأن مُتَعَلَّقَ الاسْتِدَلالِ بالقياس فِعْلُ نَفْسِهِ، ومتعلقه في الخَبَرِ فِعْلُ غَيرِهِ، والثقة بما هُوَ من فِعْلِ نَفْسِهِ أَقْوَى.

ورد بأن القِيَاسَ يَتَوَقَّفُ على حُكْمِ الأَصْلِ، وهو فعل غيره، وقد نَقَضَتِ الحَنَفِيَّةُ ما أَصَّلُوهُ بِأَنَّ من أَكَلَ نَاسِيًا لا يفطر؛ لحديث أبي هُرَيرَةَ: "اللهُ أَطْعَمَكَ"، وفي إيجاب الوُضُوءِ بنبيذ

<<  <  ج: ص:  >  >>