للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنواعًا مِنَ التكَالِيفِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَن تلكَ التَّكَالِيفَ تَمام التكَالِيفِ؛ حَيث قَال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣]؛ فَوَجَبَ: إلَّا يبقَى بَعدَها تَكلِيف آخَر ألبَتةَ؛ فَكَانَ كُل مَا سِوَاها دَاخِلا تَحتَ البَرَاءَةِ الأَصليةِ.

الْحُجةُ السادِسَةُ: أَن الشافِعِي -رَضِيَ الله عنهُ- قَاسَ الاجتهاد فِي طَلَبِ الأَحكَامِ الشرعِيَّةِ عَلَى الاجتهادِ فِي طَلَبِ القِبلَةِ. وَهذَا بَعِيد؛ لأَنَّهُ إِثبَات القِيَاسِ بِالْقِيَاسِ.

احتج الْمُنكِرُونَ لِلقِيَاسِ بِوُجُوه:

الحجةُ الأُولَى: أَن القِيَاسَ مَبنِي عَلَى مُقَدِّمَتَينِ:

إِحدَاهُمَا: أَن الحُكمَ فِي مَحَل الْوفَاقِ مُعَلل بِالصفَةِ الفُلانِيةِ.

===

بناقِضٍ، وأَسبَابُ حِل الوطء اثنَانِ مِلْكٌ، ونكَاح، وأسباب المِلْكِ كذا وكذا، وما عداه ليسَ بسبب، وبينَ ذلك وقائعُ يتجاذَبها الطرَفَانِ، فَتلحَقُ بأشباهِها منها، كالوَاجِبِ مثلًا في العَبدِ المقتُوَلِ خَطَأ، فإِنه دَائِر بَينَ ضَمَانِ النفسيةِ؛ كالحُر، والمَالِيةِ؛ كالبهميةِ.

قوله: "الحُجة السادِسَةُ: أَنَّ الشافعي -رحمه الله- قاس الاجتهادَ في طَلَبِ الأَحكَامِ الشرعية على الاجتهاد في طلب القِبلَةِ؛ وجه الجمع أن الشارع إنما يسوغ القياس في العلة لعسر التنصيص على الآحادِ؛ أو ليبذُلَ المجتَهِدُ وسعَهُ في تحصيلِ الحُكم؛ فينال ثَوَابَ درجَةِ الاجتهادِ، وأَيًّا ما كان، فهو متحقق في محل النزاعِ، فالورودُ ثَم يكُونُ وُرُودًا ها هنا.

قولُهُ: "وهذا بعيدٌ؛ فإنه إثبات للقياسِ بالقياسِ":

قلنا: المحذُورُ من إثباتِ القياسِ بالقيَاسِ إثباتُ الشيءِ بنَفْسِهِ؛ لأَن المفِيدَ يَجب تقدُّمه على المستَفَادِ، فلو أُثبِتَ الشيءُ بنفسه، لَزِمَ تقدَّمُ الشيءِ على نَفْسِهِ؛ وهو محال، أنَّا إثباتُ نوع من القياسِ بالنص أو بالإِجماعِ، وإثبَات ضرب آخَرَ مِنَ القيَاسِ بذلك القياسِ المَنصُوصِ- فلا يَلزَمُ منهُ المحذُورُ المذكور؛ فلا نسلم امتناعَهُ.

لا يقالُ: التنصيصُ عَلَى غَيرِ جِهاتِ القِبلَةِ غَيرُ ممكن، فدَعَتِ الضرورة إلى القياسِ، ولا ضَرُورَةَ، ولا حَاجَةَ إلى القيَاسِ فيما أمكَنَ التنصيصُ علَيه.

لأنا نقول: بفرض الكلامِ عند عدمِ النصِّ، واليأس منه؛ فقد استَوَتِ الحاجةُ إليه، وإن كان التنصيصُ عليه قد كان ممكِنًا، وكان يمكنُ أيضًا تأخر الصلاةِ إلى التبين؛ كما يقال -فيمَن عَدِمَ الماءَ والترَابَ؛ على رأي بعضِ العلماء، أو صَلى إلى أربعِ جهات، ولا ضرُورَةَ إلى الاجتهادِ، وإنما كان يتجه منهم المَنع من القياسِ أَن لَوْ دَعونَا إلى العملِ بقاطِعٍ، وإنما يَدعُونَنَا بتركِهِ إلى التعطِيلِ أو التحيين أو الحوالة على إِمام منتظَرٍ، لا يُعرَفُ له عَين ولا خبَر.

قَوْلُهُ: "احتج منكرو القياسِ بوُجُوه: الأَوَّلُ: أن القياسَ مبني على مَقَامَينِ:

أحدُهُما: أن الحكم في محل الوفاقِ معلل بالصفة الفُلانيةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>