للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلقَائِل أَن يَقُولَ: لِمَ لَا يَجوزُ أَن يُقَال: كُلْ مَا وَقَعَ النصُّ عَلَيهِ، فَقد ثَبَتَ الحُكمُ فِيهِ، وَمَا لَم يحصُلِ النص فِيهِ، لَم يَكُنْ لله -تَعَالى- فِيهِ عَلَى العَبدِ تَكلِيفٌ، بَل دَخَلَ تَحتَ البَرَاءَةِ الأَصلِيةِ.

أَلا تَرَى: أَن السلطَانَ إِذَا أَرسَلَ أَمِيرا إِلَى بلدَة، فَإِن الأمِيرَ يَقُولُ: كُل تَكَالِيفِكَ عَلَى وَعَلَى أهلِ تِلكَ البلدة. فَإِذَا ذَكَرَ السلطان أَنوَاعًا مِنَ التكَالِيفِ، وَقَال: هذَا تَمَامُ التكَالِيفِ عَلَيكَ، وَعَلى أهل بَلدَتِكَ-: فَإِنهُم إِذَا أَتوا بِتِلكَ التكَالِيفِ، كَانُوا مُطِيعِينَ سَامعين، وَلَا يَكُونُ لِذلِكَ السلطان عَلَيهِم فِي غَيرها شَيء مِنَ التكَالِيفِ.

فَكَذلِكَ: هذَا سُلطَانُ الموجُودَاتِ أَرسَلَ مُحمدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالرسَالةِ إِلَى هذَا الْعَالمِ، وَذَكَرَ

===

بالألف واللام المستغرِقَةِ يَشمَلُ ما لا يتناهى؛ باعتبار الذي ذكرتم؛ كيفَ والخَصمُ قد يسلِّم العَمَلَ بالعلةِ المنصوصِ عَلَيها وَالمومَإ إليها وجَرَيَانَ القياسِ في تحقيق المناطِ، وفي كل ما يُعتَبَرُ التنصيصُ عليه، وإنما يخص النزاعَ بتخريجِ المَنَاطِ، فلا يتحقق المحذُورُ المذكُورُ.

قولُهُ: "ولقائل أَن يقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَن يقَال: كُل ما وَقَعَ النص عليه، فَقَد ثَبَتَ الحُكمُ فيه، وما لم يَحصُلِ النص فيه، لم يكُنْ للهِ -تعالى- على العَبدِ فيه تكليفٌ، بل دَخَلَ تحتَ البراءَةِ الأصليةِ ... " إلى آخره، ولم يُجِب عنه:

والجوابُ عنهُ: ما نبهنَا عليه في مسلَكِ الإِجمَاعِ التفصيلي، وهو أن أكثر الوقائِعِ التي حَكَمَت فيها الصحابةُ بالرأي على خلف البراءَةِ الأصليةِ، وما اختلفُوا فِيهِ لا يمكِنُ اجتِمَاعُ الطريقَينِ فيه على البراءَةِ، والاستقراءُ يُحَقِّقُ ذلك، فَلَم يَعُمّ الأحكامَ باعتبارِ البراءةِ الأَصلِيةِ فَقَط.

فإن قيل: مَا حَكَمَت فيه الصحابةُ مِنَ الوقائِعِ وإن كَثُرَت، فهي متناهيَة؛ فكيف تَدعُونَ تعميمَ القِيَاسِ وشمولَهُ لِمَا لا يتنَاهى من الأحكامِ وقُوعًا منها؟ :

قلنا: المَعنِي بِعَدَمِ النهاية: الكَثرَةُ إِلى حدٍّ يعسُرُ عدها، وأن النصوصَ لا تَفِي بها، أمَّا دعوى الوقائعِ التي لا تتناهى تقريرًا، فهل لله -تعالى- في كل واقعة منها حُكم أو لا؟ - فسيأتي البحثُ فيه، إن شاء الله -تعالى- في "بابِ الاجتهادِ".

والإِمامُ يدَّعي التعميمَ بوجه، وهو أن نوع من الأحكامِ؛ فإن الوقائع فيه واقعة بين طرفَينِ على التقابُلِ بين النفي والإِثباتِ، فإذا خَصَّ طَرَفًا بالحُكمِ، عَم نفيه المقابِلَ له؛ كقوله: الوَارِثُونَ من الرجال عَشَرَة، ومن النساءِ سبعَة، فمَن عَدَاهُم ليسَ بوارث، وموانعُ الميراثِ خَمسَة، وما عدا ذلك ليس بمانع، ونواقضُ الوُضُوءِ خَمسَة، وما عدا ذلك لَيسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>