للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَثَبَتَ: أَن القياس لَا يُفِيدُ إلا الظن، وَالعَمَلُ بِالظن غَيرُ جَائز.

ثُمَّ نَقُولُ: عَدَلنَا عن هذَا الدَّلِيلِ فِي صُور كَثِيرَة:

إِحدَاها: الاكتِفَاءُ بِالظن فِي فَتوَى المُفتينَ.

ثَانِيَتُها: فِي الشهادَاتِ.

ثَالِثَتُها: فِي تَقويمِ المُتلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.

رَابِعَتها: فِي طَلَبِ القِبلَةِ.

خَامِسَتها: فِي رُكُوبِ البحرِ عِندَ ظَنِّ السَّلامَةِ، وَفِي الإِقْدَامِ عَلَى العِلاجَاتِ عِنْدَ ظَن السلامَةِ.

إلا أَن الفرق بَينَ هذِهِ الصوَرِ وَبَينَ مَحَل النزَاعِ، ظَاهِر؛ لأَن الأَحكَامَ التِي اكتَفَينَا فِيها بِالظنُونِ فِي هذِهِ الصوَرِ -أَحكَام جُزئِية مُتَعَلقَة بأَشخَاصٍ مُعَينة فِي أَوقَات مُعَينة، وَكَانَ التنصِيصُ عَلَيها مُتَعَذِّرًا؛ فَوَجَبَ الاكتِفَاءُ فِيها بِالظن، بِخِلافِ الأَحكَامِ التِي يُرَادُ إِثبَاتُها بِالأَقيِسَةِ؛ فَإِنها أَحكَام كُليةٌ مَضبُوطَةٌ، فَيمكِن إِثبَاتها بِالنصُوصِ؛ فَظَهرَ الفرقُ.

الحجة الثانِيَةُ: أن نَقُولَ: الحُكمُ بِمُقتَضَى القِيَاسِ حُكم بِغَيرِ مَا أَنزَلَ الله تَعَالى؛ فَوَجَبَ أَلا يَجُوزَ:

بَيَانُ الأَولِ: أَن ذلِكَ الحُكمَ لَوْ كَانَ حُكمًا بِمَا أَنزَلَ الله، لَكَانَ تَارِكُهُ تَارِكًا لِلحُكمِ بِمَا أَنزَلَ الله؛ فَيلزمه الكفرُ؛ لِقولِهِ تَعَالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ

===

الثاني: أنها محمولة على الظن فيما ينبَغِي فيه القَطعُ.

الثالِثُ: حَملُهُ على الحَدْسِ والتخمين، والاعتمادِ على الظن بغَير طريق مشروع.

الرابعُ: أن العَمَلَ عند الظن مستَنِد إلى القاطعِ، وهو الإِجماع لا بالأمارةِ.

والخامسُ: أنه مخصوص بمواقِعِ الإِجماعِ، وكُلما خص المُشتَرَكُ بالتخصيصِ ثَم، يكونُ تَخصِيصًا ها هنا.

قوله: "الثانيةُ: أن نقولَ: الحُكمُ بمقتضَى القيَاسِ حُكم بِغَيرِ مَا أنزل الله تعالى؛ فوجب إلَّا يَجُوزَ:

بيانُ الأَول: أن ذلك الحُكمَ: لو كان حُكمًا [بما] أنزل الله تعالى، لكان تارِكُهُ تاركًا للحُكم بما أنزل الله؛ فيلزمه الكُفرُ؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، وبالإجماعِ لم يحصل هذا، فوجَبَ القَطعُ بأن ذلك الحُكمَ ما كان حُكمًا بما أنزلَ الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>