للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعلَم: أَنَّ الدَّوَرَانَ قَدْ يَكُونُ في صُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ مِثلُ: أَن عَصِيرَ العِنَبِ قَبلَ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا، كَانَ حَلالًا، فَلَمَّا صَارَ خَمْرًا، صَارَ حَرَامًا؛ فَلَمَّا زَالِتِ الخَمْرِيَّةُ وَصَارَ خَلًّا، صَارَ حَلالًا مَرَّةَ أُخْرَى.

===

وبعضُهُم يَعُدُّ من الإيماء الترتِيبَ بالفَاءِ؛ وليس منه، والفاءُ ظاهرةٌ في التعليل وَضعًا؛ إِذ معناها تُّرتْبُ الثانِي على الأَوَّلِ، ولا معنَى للعلَّة الشرعيَّة إلا ذلكَ، وقد تكونُ ناصَّة في التعليلِ بقرينة الشَّرْطِ؛ إذ لا يحتملُ غيرَ التعْقِيبِ؛ كما نبَّهنَا عليه.

والأصلُ في المسلَكِ الخامِسِ من مسالِكِ التعليلِ: "تنقيحُ المناطِ"، وهو: أن يَدُلَّ ظاهر على التعليلِ مِن كَلام الشَّارعِ، أو الراوي بوَصْفٍ، فَيُحْذَفُ خصوصُهُ بِالاجتهادِ عَن درجَةِ الاعتبارِ، وينَاطُ الحكمُ بالأعَمِّ؛ ليدل على التعليل مجموع أوصاف، فيحذف بعضها بالاجتهاد عن درجة الاعتبار، ويناط الحكم بالباقي، وتسميتُهُ تنقيحًا مأخوذ من تَنْقِيحِ النخلِ؛ فإنه إِزَالةُ ما يستغنَى عنه، وإبقاءُ ما يُحتَاجُ إليه، وحاصلُهُ: تأويلٌ ظاهرٌ مع إبقاءِ دلالتِهِ على التعليلِ بِالاجتهادِ: فَمِن ثَمَّ تأخَّرَ عن درجَةِ مَا يُشعرُ بالتعليل ظاهرًا: مِن تصريحٍ أو تلويح.

مثالُ الأوَّل: "لَا يَقْضِ القاضِي وهُوَ غَضبَان"، فإِنَّ ذِكرَ الغَضَب مقرونًا بالحُكمِ يَدُلُّ ظاهرًا بإيمائِهِ على التعليلِ بخصوص الغضب؛ فَتُحذَفُ خصوصيَّتُهُ، وينَاطُ الحُكمُ بما يتضمَّنه من التشويشِ المانِعِ من استيفاءِ الفكرِ؛ فيناطُ الحكمُ به، وَيعُمُّ الجُوعَ المُفرِطَ والعَطَشَ المُفرِطَ ومغالبَةَ النُّعَاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>