للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

المرتبة الثالثةُ -وهي الدنْيَا-: وهي ما لا ترهق إليها ضرورةٌ ولا حاجَةٌ، ولكنَّها واقعةٌ مَوْقِعَ التزينات والتحسينَاتِ، واتِّبَاعِ أَحْسَن المناهجِ في العبَادَاتِ والمعامَلَاتِ؛ كاجتناب النَّجَاسَاتِ، وتحريمِ المستَخْبَثَاتِ، وسَلْبِ الأرقَّاءِ أهْلِيَّةَ الولاياتِ والقَضَاءِ والشهاداتِ؛ إظهارًا لشَرَفِ فذه المَنَاصِبِ.

هذا هو التقسيمُ المَشهُورُ، وقَسَّمَ الإمام هذه المرتبةَ إلَى قِسْمَينِ: إلى ما خُولِفَ فيه القياسُ؛ تشوفا لتحصيله، وإلى ما لا يُخَالفُ فيه القياسُ:

والأول كالمبالغةِ في تحصيل العتقِ بتكميلِ مبعضه، والسراية في مِلْكِ الغَيرِ بدون رِضَاهُ، وتسويغِ مكاتَبَةِ السَّيِّد عبدَهُ، ومعاوضته منْهُ مالهُ بمالِهِ، ومعاملته معامَلَةَ الأَجَانب.

والثانِي: كقولِهِ - عليه السلام -: "عَشْرٌ مِنَ الفِطرَةِ ... "، وما قَدَّمنَا ذِكرَهُ إلى غير ذلك.

قال: وهذه الضُّرُوبُ الأربعةُ يَجْرِي فيها تعليل لكلِّيَّاتها وجزئياتها، وأَلحَقَ ضَرْبًا خَامِسًا لا يلوحُ فيه تعليلُ جزئيٍّ، ولكن يلوحُ فيه تعليل كُلِّيٌّ؛ كالعبادات البدنيَّةِ؛ فإنها لا تنطبقُ على أَغرَاضٍ نفعيَّةً، ولا دفعيَّةٍ عاجلًا؛ وإنما يُعْقَلُ من شرعها مَعْنى كُلِّيٌّ، وهو أن مرور العِبَادِ علَى حُكمِ الانقيادِ، يتضمنُ تجدِيدَ العَهْد بعُقُودِ الأيمانِ بمطالعة أوامِرِهِ تعالى ونواهيه، وتحقُّق الاستسلامِ والانقيادِ له، وهو سرُّ ملازَمَةِ الأَذكَارِ والأَوْرَادِ للسَّالكين؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت ٤٥].

ثم ينقسم "المُنَاسِبُ" إلى قسْمةٍ أخرَى؛ بالنَّظَرِ إِلَى اعتبارِهِ واهدارِهِ إِلَى ثلاثةِ أقسام:

الأولُ: ما شهد الشرْعُ باعتباره.

الثاني: ما شَهِدَ بِإهْدَارِهِ.

والثالث: ما لم يَشهَدْ بإهداره، ولا باعتبارِهِ، وهو "المُرْسَلُ".

وقد تقدَّم أن مما يَدُلُّ على الاعتبارِ المناسبةَ والقرائن، فإِنْ وُجِدَ ذلك في وَصْفٍ، ولم يُعْهَدْ من الشرع التِفاتٌ إلى التعليلِ بجنْسِهِ، فهذا يلقَّب بـ "الغَرِيب"، والتعليل به مختلفٌ [فيه] بين النُّظَّارِ، والأقْرَبُ قَبُولُهُ؛ فإنه يغلب على الظَّنِّ، فلو رأَينَا شخصًا أَعْطَى فقيرًا، ولم تُعْرَفْ

<<  <  ج: ص:  >  >>