. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
التعليلِ بالوصْفِ ولا يتعرَّض فيهما لوجهِ الاعتبارِ بخصوصٍ أو عمومٍ، فيحذف الخصوصُ بالاجتهادِ.
وفائدةُ هذه التقاسيم تظهرُ في الترْجِيحِ عند معارَضَةِ العِلَلِ، فكما يلقِّبون بعْضَ الأَوْصَافِ "مُنَاسِبًا"؛ لموافقتها لما رُتِّبَ عليها؛ فيسمُّونه مُخِيلَةً أيضًا، و"الإخَالةُ" الظَّنِّ؛ ولا شك أَنَّه يَغلِبُ على الظَّنِّ أن الحكمَ إِنما شُرعَ لأجْلها.
وأَمَّا أن المناسبَةَ والقِرَانَ بِشَرْطِ السلامةِ عن المُبْطِلَاتِ دليل على العلِّيَّة، فَقَدِ اعتمد الإمامُ فيه عَلَى إجماع الصَّحَابة المقطوعِ بهِ مِن تَصَرُّفَاتِهِم في الأحكام؛ فإنَّ المتحقَّق عنهم أَنَّهم كانوا يَعْمَلُونَ بكُل ظَنٍّ مستفادٍ من أصولِ الشَّريعة لا يعارضه قاطِعٌ، ولا ما هو أَوْلَى منه؛ ويستلزم العَمَلَ بالمناسِب لا مَحَالةَ.
قال المصنف: "وبناؤُهَا على ثلاثِ مقدِّمَاتٍ:
أوَّلها وأقْوَاهَا: أنَّه ثَبَتَ أن أفعال الله - تعالى - وأحكامَهُ معلَّلة بالمصالِحِ".
والذي تقدَّم منه إبطالُ تَعْلِيل أحكامِ الله - تعالى - وأفعالِهِ بالمصَالِح؛ فكيف يقولُ هنا: "أقواهَا" إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَقْوَاهَا في ظنِّ القائِلِين بِهِ: إِما نظرًا إِلَى الوَقَائِع، أو على الوُجُوبِ؛ كما يقولُ المعتَزِلَةُ. وقولُهُ: "الكلامُ فيه ما سَبَقَ" يُشعِرُ بذلك.
قوله: "وثانيها: أن هذا الوجْهَ المعيَّن يشتملُ على هذه المَصْلَحَةِ الفُلَانِيَّةِ.
وثالثُها: أنَّ العِلْمَ بانَّ هذا الفِعل يشتَمِلُ على هذه المصلحة من هذا الوجْهِ فيفيد الظَّنِّ بأنَّ ذلك الحُكمَ معلَّل بهذه [المصلحة] ولأن غَيرَ هَذِهِ المصلَحَةِ كان معدومًا، والأصْلُ بقاؤه على العَدَمِ؛ فوجَبَ أَن يكُونَ معلَّلًا بهذا [الوصف] ": .
وزوال الاسْتِدْرَاكِ في هذا التقرير -على أُصُولنا، فإنه ظاهرٌ على أُصُول المعتزلة-: أَنْ يُقَال: إِنَّ الواقع في الشَّرْعِ رِعَايَةُ مصَالِحِ العبادِ في شَرع الأحكَام غَالِبًا؛ فَضْلًا مِنَ الله - تعالى - ونعْمَةً، لا وجوبًا علَيه؛ بدلالة النصوص المقدَّم ذِكْرُهَا، وقولهُ تَعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقَنُونَ} [المائدة ٥٠] وقوله - عليه السلام -: "عَجَبًا لِلْمُؤمِنِ؛ لَا يَقْضِي الله لَهُ قَضَاءً إلا وَهُوَ خَيرٌ لَهُ"، وبدَلَالةِ الاستقراءِ.
وإِذا تقرَّر هذا، فالحكمُ لا ينفكُّ عن مصلحةِ، ومصلَحَتُهُ لا تَعْدُو أوْصَافَ مَحَلِّهِ، فإذا بَحَثْنَا وسَبَرْنَا، ولم نَجِدْ ما يصلْحُ للتعليل سِوَى هذا الوصْفِ المُنَاسِبِ مع سَلَامَتِهِ عن المبطِلَاتِ والمُعَارِضِ الرَّاجِحِ- غَلَبَ على الظَّنِّ أنَّه العلَّة؛ لأنا بَينَ أُمُورٍ ثلاثةٍ:
إما أن نَقُولَ بأن الحُكمَ غيرُ معلَّلٍ، وإِنه خلافُ الأَصْلِ والغالب. أَو نقُولَ: إِنه معلَّلٌ بوصفٍ لم يُطَّلَعُ عليه بعد البحْثِ والسَّبْرِ، وإِنه خلاف الظَّاهر والأصْلُ أَيضًا عَدَمْ ذلك الوصْفِ