للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: النَّقْضُ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ ذلِكَ الْوَصْفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، مَعَ عَدَمِ الْحُكمِ:

===

مَحْضِ الشَّبَهِ.

قَالُوا: وَإِذَا تَصَفَّحْنَا فتَاوَى الصحابة وَأَقْضِيَتَهُمْ فِيما اعْتَمدُوا فِيهِ على الرَّأْيِ، وَجدنَا المُنَاسبَ لا يفِي بِها، وَقَد بَطَلَ الجميع بالطَّرْدِ؛ فإِنه تحكُّمٌ في الدِّينِ لاستواءِ النِّسْبَةِ في ثبوتِ الحُكْمِ إِلَيهِ وَنَفْيِهِ، وَالتَّحكُّمُ فِي الدِّين باطلٌ بالإِجْمَاعِ؛ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُم إِنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلى الشَّبَهِ؛ لانحصارِ الأَوْصَافِ فِي الثلاثةِ.

وَاحْتَجَّ الرَّادُّونَ لَهُ: بأنَّ الوَصْفَ إمَّا أنْ يُنَاسِبَ أَوْ لَا، ولا واسطةَ: وَالأَوَّلُ: المُخِيلُ، والثانِي: الطَّرْدُ.

وَأُجِيبَ: بِالاسْتِفْسَارِ، فقيل: مَا تعْنُونَ بالمناسب المُخِيلِ؟ أَتَعْنُونَ بهِ: مَا يتضمنُ مَصلحةً فِي نَفْسِهِ أَو مَا ظهرَتْ مَصْلَحَتُهُ؟ : فَإِنْ فَسَّرتُمُ المنَاسِبَ بِالأَوَّلِ، فنحنُ نُسَلِّمُ أَنَّ مقابِلَهُ هُوَ الطردُ، لَكِنْ ما سَمَّيتُمُوهُ مُنَاسِبًا يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَظْهَرُ لَنَا مصلحتُهُ، وَإِلَى مَا لَا يَظْهَرُ: وَالأَوَّلُ عِنْدَنا: هُوَ المُخِيلُ، والثاني: الشَّبَهُ، وَإِنْ فسَّرتُمُ المُنَاسِبَ المُخِيلَ بما ظهرَ لَنَا مَصْلَحَتُهُ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ما يُقَابِلُهُ هُوَ الطَّرْدُ، بَل مَا يقابِلُهُ يَنْقَسِمُ إِلَى ما [تكونُ] نِسْبَةُ ثُبُوت الحكم إليهِ وَنَفْيهُ عَلى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَإِلَى ما تكونُ نسبةُ ثُبُوتِ الحكمِ إِلَيهِ أَرْجَحَ فِي الظنونِ، والأَولُّ عِنْدَنَا: هوَ الطَّردُ، وَالثانِي: الشَّبَهُ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ تَصَوُّرُهُ، وَأَنَّه حُجَّةٌ -فَالشَّبَهُ تارةً يُعْرَفُ بكثرةِ الأحكام، كَمَا مَثَّلَهُ المُصَنِّفُ، وَتارةً يُعْرَفُ بالخِلْقَةِ؛ كَمَا مَثَّلْنَاهُ، وَتارةً يُعْرَفُ بِالاشْتِراكِ في الخاصِّيَّةِ كإِلحاق الأقواتِ بالبُرِّ والشَّعيرِ في الرِّبا، وإلحاقِ ما يتفكَّهُ بِهِ تارةً، وَقَدْ يُقْتَاتُ بهِ تارةً، ويُؤْتَدَمُ بهِ أخرى؛ كالتِّينِ وَالتَّمْرِ، وإِلْحَاق مَا يُسْتَعْمَلُ للتَّدَاوي وَإصلاحِ القُوتِ بالملحِ.

وَمِمَّا يَشْتَرِكانِ فِي الخَاصيةِ قولُ الشَّافِعيُّ -رَحِمَهُ الله- فِي الجمعِ بَينَ الوضوءِ وَالتَّيَمُّمِ: طَهَارَتَانِ، فكيفَ يفترقانِ؟ يَعْنِي: أَنَّهُمَا شُرِعَا لِمَقْصُودٍ وَاحدٍ؛ فإنَّه لا يَسْتَمِرُّ عَلى السيرِ فِي الوَضوءِ مَقْصُودٌ عاجلٌ، وغايةُ ما يلوحُ فِيهِ الوضاءةُ والنظافةُ عِنْدَ الإقبال عَلَى مُنَاجَاةِ الله تَعَالى، إِلَّا أَنَّ هذَا المعنى ينخرم بمَنْ خرَجَ مِنَ الحمَّام عَلى أَكْمَلِ حالةٍ مِنَ النَّظافَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَلَمْ يَجِدْ إِلَّا ماءً مُتَغَيِّرًا بالطُّحْلُب فإنَّه يَجِبُ عليهِ اسْتِعْمَالُهُ، وَيُشْكلُ بِإِقَامةِ التُّرَابِ بَدَلًا عنْهُ، وَالبَدَلُ هُوَ الذِي يقومُ مَقَامَ المُبْدَلَ فِي المقصودِ مِنْهُ، وَلَوْ على قصورٍ، وَهذَا ضِدُّ المقصودِ في الوَضَاءةِ وَالنظافةِ، وَإِذَا لَمْ يَلُحْ فِيهِ غَرضٌ عاجلٌ؛ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُ المقصودِ مِنْهُ إِلَى أمرٍ آجِل، وَالمقصودُ الآجِلُ: هُو الثوابُ، وحُصُولُ الثوابِ مَنُوطٌ بِقَصْدِ التعبُّدِ، وَقَدْ وَقَعَ الإِجماعُ عَلى اعْتِبَارِهِ فِي التَّيمُّمِ فَيغلِبُ على الظَّنِّ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ.

ثُمَّ شَرْطُ التعليلِ بالشَّبَهِ وَاعتبارِهِ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارَ تَأْثِيرٍ لَا مُلاءَمَةٍ- وعَدَمُ المناسِبِ وَمَا هوَ مِثْلُهُ أَوْ أَوْلَى؛ فَلَا يُعرفُ ذلِكَ إِلا بالسَّبرِ، وَاشْتراطُهُ فِيهِ وَفِي المخيل إنّما يكونُ شَرْطًا لاسْتِقْلالِهِ علةً لا فِي أصلِ اعْتِبَارِهِ، وَقَد يستقلُّ السَّبْرُ والتقسيمُ بِأَصْلِ الاعتبارِ؛ فَيُعَدُّ مِنْ مَسَالِكِ التعليلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>