للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَال آخَرُونَ: إِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، إلا بشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ -هُنَاكَ- مَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ مَانِعًا مِنَ الحُكمِ.

وَقَال الْقَائِلُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ لَا يَقْدَحُ أَصْلًا، سَوَاءٌ حَصَلَ هُنَاكَ مَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ مَانِعًا مِنَ الْحُكْم أَوْ لَمْ يَحْصُلْ.

===

وَيَطْهُرَنَ، لمِيقَاتِ حَيضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ".

وَفَرَّقُ آخَرُونَ فَقَالوا: هُوَ حُجَّةٌ للنَّاظِرِ دُونَ المُنَاظِرِ، وإلَيهِ مَيلُ الآمِدِي، فإِنَّ المُسْتَدِلَّ إذَا بَذَلَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ وَصْفٍ زائدٍ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ المسْتَبقَى سَاقِطٌ عَن درجةِ الاعْتبار- أحَسَّ مِنْ نَفْسِه بَغَلَبَة الظَّنِّ بالعدم، وَأَنَّ المستبقَى عِلَّةٌ.

أَمَّا الخَصْمُ فَيقولُ -بعدَ أَنْ يُسَلِّمَ أنَّ خَصْمَهُ بَحَثَ وسَبَرَ وَلَمْ يَجِدْ، وَيُصَدِّقَهُ فِي جميعِ مَا ادَّعاهُ؛ فإنَّهُ لا يسمع منهُ منعه لذلك؛ فَإنَّ مَنْعَ ذلِكَ مَحْضُ السَّفَه، وَلَا يسمع فِي المناظراتِ؛ فيساعدُهُ عَلَى ذلِكَ ظَنٌّ بِالعَدَمِ، لا عَدَمُ ظَنٍّ- فيقولُ لَهُ: إنَّ بَحْثَكَ وَسَبْرَكَ يَختَصُّ بِكَ، فيغلِبُ عَلى ظَنِّكَ، وَأَنْتَ فِي هذَا المَقَامِ مستلزم إِظهارِ مَا يَغْلِبُ عَلى خَصْمِكَ، لينقادَ إلى مَذْهَبكَ، فَكَيفَ يقبلُ مَنْكَ بمجرَّدِ التَّقْلِيدِ؟

وَأَجابَ المُعَمِّمُونَ: بِأَنَّه يَقُولُ له: قَد أَرْشَدتُكَ إلَى الجهةِ التِي غَلَبَت على ظَنِّي، وأنَّ الأَوصافَ الَّتِي يمكنُ دَعْوَى علِّيَّتِهَا هِيَ مجموعُ مَا ذَكَرْتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا؛ كَقَولِهِ "علة الرِّبا إِمَّا الطَّعْمُ فِي الجِنْسِ، أَو التَّقْدير، وَهُوَ الكَيلُ وَالوَزْنُ فِي الجنْسِ، أَو القُوت فِي الجِنْسِ، أو الماليةِ، أَوْ ما يتركَّبُ؛ مِن ذلِكَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ احتمالٌ آخرُ فَأبْرِزْهُ، واحْذَرْ مِن كِتْمانِ عِلْم مَسَّتِ الحاجةُ إِلَى إِظْهَارِهِ" فَإنْ أَبْدَى المعترضُ وصَفًا زَائِدًا، فلا يُكَلَّفُ بَيانَ صلاحيته للتَعْليلِ؛ فإنَّ المستَدِلَّ لَمْ يعتمد فِي صلاحيةِ مَا ادَّعَاهُ إلا بإبطال مَا عَدَاهُ، وَهذَا يحْرِمُ دَلِيلَهُ، وَلَا يكونُ المستَدِلُّ مُنْقَطِعًا بمجرَّدِ إِظهارِه مَا لَمْ يعجزْ عَن إبْطَالِهِ؛ فَإنَّهُ إِنَّما ادَّعَى العَدَمَ ظَاهِرًا، أَو اسْتِصْحابًا لِعَدَم مَا سِوَى المذكورِ.

وَقَدْ يتفقُ الخصمانِ عَلى إِبْطالِ مَا عدا الوَصْفَينِ، فَيَكْفِي المُسْتَدِلَّ الترديدُ بَينَ عِلَّتِهِ وَعِلَّةِ خَصْمِهِ فقط؛ اكتِفاءً بالاتِّفاقِ مِنْهُما عَلى إبطالِ ما سِواهُما؛ فتبطلُ علَّةُ خَصْمِهِ فَقَطْ، فتصح عِلَّتُهُ، كَما لَوْ وَقَع الخلافُ مَعَ الحَنَفِيِّ، فَيقولُ الشَّافعيُّ: العِلَّةُ مَّا الطَّعْم فِي الجِنْسِ، أو التَّقْدِيرِ، وَهُو

<<  <  ج: ص:  >  >>