للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجَّةُ الْقَائِلِ الأَوَّلِ وُجُوهٌ:

الأَوَّلُ: أَنَّ كَوْنَ ذلِكَ الْوَصْفِ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيثُ هُوَ هُوَ مِنْ غَيرِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حُصُولِ التَّأثِيرِ قَيدٌ سِوَاهُ، أَوْ لَا بُدَّ مَعَ ذلِكَ الْوَصْفِ مِن قَيدٍ آخَرَ:

===

الكَيلُ والوَزْنُ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا علي إِسلام الذَّهَب والدراهم فِي الموزوناتِ وَالمَكيلاتِ، وَلَوْ جَمَعَتْهما علَّةٌ واحدةٌ؛ لمَا جَازَ إسْلام أحَدِهِمَا فِي الآخَرِ، ومَعَ المَالِكِيِّ فَيقولُ: لَوْ كَانَ القُوتُ هُوَ العِلَّةَ، لَما حُرِّمَ التفاضُلُ فِي المِلْح بِالمِلْحِ، فإِنْ قال: العلَّةُ القوتُ أَوْ مَا يصلحُ للقوتِ أُبْطِلَ عَلَيهِ بالحَطَبِ، فَإذَا ثَبَتَ الحصْرُ: إِمَّا قَطعًا أَوْ ظَاهِرًا، فَطِريقُ الإبطالِ -وَهُوَ الركنُ الثانِي- بأَحَدِ أمورٍ ثلاثة: إِمَّا بَبَيانِ أَنَّ الوصفَ طَرْدٌ محضٌ بالنسبةِ إلَى جَميعِ الأحكامِ: كَالسوادِ وَالبَياضِ، أَوْ أَنَّه طَرْد بالنسبةِ إِلى الحُكْم المنازع فِيهِ؛ كالذكورةِ والأنُوثةِ بالنسبةِ إِلى العِتْقِ مثلًا، أَوْ يُبَيِّنَ إلْغَاءَهُ، وَإِنْ كانَ مُنَاسبًا باسَتقلالِ المسْتَبقَى دونَهُ فِي صورةٍ مُجْمِع عَلَيها، أَوْ يرجَّح التعليلُ بالمستبقى عَلى المحذوفِ.

وَمِنْ مَسَالِكِ التعليلِ: "لا فَارِقَ"، وَهُوَ المُكْمِلُ للمسالِكِ التسْعَةِ، وَينْقَسِمُ إِلى قطعي وظَنِّيٍّ:

فَالقطعيُّ: كإلحاقِ الأَمَةِ بالعَبْدِ فِي السَرَايَةِ، وإلحاقِ صَبِّ البَوْلِ منَ الكُوزِ فِي الماءِ الراكدِ بالبَوْلِ فِيه، وهذَا هُوَ الملقَّبُ بالقياسِ فِي مَعْنى الأصلِ عندَ الجمهورِ.

والظنيُّ راجعٌ عند التحقيق إِلَى ضَرْبٍ من الشَّبَهِ، وكذلك الدوران والسَّير؛ فإنَّ الجميع يغلب على الظنِّ من حيث الجملةُ ولا يشير إِلَى تَعْيينِ جهة الصَّلاحَ، وهو الشَّبَه نَفْسُه، وإِنَّما خصوا كلَّ واحدٍ منهما باسْم خاصٍّ؛ لاختلافِ النُّظَّار فِي بعضِها، ولأَنَّ الاسْمَ يتبع أَبدًا الأَخصَّ؛ فإن المخِيل أشدُّ اقتضاءً لمشابهة الفرْعِ الأَصْل؛ فيختصُّ باسْمِ المُخِيل؛ لاشتماله علَى خصوصٍ، واكْتُفِيَ بِالاسم الأعَمِّ، فقيل: شبه. ووجه دلالة "لا فارق"؛ أنَّه إذا لم يفارق الفرْعُ الأَصْلَ إلا فيما لا يؤثِّر، فيتعيَّن اشتراكُهما فِي المؤثِّر، وهو إما جميعُ المستَبْقَى أو بَعْضُهُ، وأيّا ما كان فيلزَمُ من ثبوتِ الحُكْمِ فِي الأصْلِ ثبوتُهُ فِي الفَرْعِ.

وأما وجْهُ حَصْرِ مسالِكِ التعليل فِي التسْعَةِ المذكورةِ؛ فنقول: كُلُّ ما تُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ شرعًا، فلا يخلو: إما أنْ يَتَّفقَ عليه عُلَمَاءُ عَصْر من الأعْصَارِ أو لا:

والأول: الإجماع، والثاني: لا يخلو: إما أن يوجَدَ فيه منقولٌ من الشرْعِ، أَوْ لَا: فَإنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>