للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُكْمُ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ مَا عَدَا ذلِكَ الْوَصْف عَن ذلِكَ الحُكْمِ.

وَإِنْ تَوَقَّفَ تَأْثِيرُ ذلِكَ الْوَصْفِ فِي ذلِكَ الْحُكمِ عَلَى انْضِمَامِ قَيدٍ آخَرَ إِلَيهِ- كَانَ الْمُؤَثِّرُ هُوَ ذلِكَ الْوَصْفَ مَعَ ذلِكَ الْقَيدِ، وَذلِكَ يَقْدَحُ فِي قَوْلِنَا: إِنَّ ذلِكَ الْوَصْفَ هُوَ الْعِلَّةُ.

فَإنْ قَالُوا: إِنَّ ذلِكَ الْقَيدَ قَد يَكُونُ عَدَمًا، فَكَيفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ جُزءًا مِنَ العِلَّةِ؟ :

فَنَقُولُ: ذلِكَ الْعَدَمُ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ قَيدٍ وُجُودِيٍّ؛ لِيُضَافَ إِلَى الْوَصْفِ الأَوَّلِ؛ حَتَّى يَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا مُؤَثرًا فِي الحُكْمِ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هذَا وَصْفٌ حَصَلَ فِي مَحَلِّ الْوفَاقِ مَعَ الْحُكمِ، وَالْمَعِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَحَصَلَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ، وَذلِكَ يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ؛ فَلَمْ يَكُنْ

===

ومِنْ تَمَام هذه القَاعِدَةِ الإشَارَةُ إِلَى إبطالِ طُرُقٍ مَوْهُومَةٍ تَمَسَّكَ بها من ادَّعَى كَوْنَ الوصْفِ علَّةً: منها: مجَرَّدُ الاطِّرادِ، وليس بحجَّةٍ؛ لأن حاصلَهُ السَّلَامَةُ عن قادِحٍ واحدٍ، ولو سلم الوصفُ عن جميع القوادِح، لَمْ يكُنْ فِي نَفْسِهِ عِلَّةً؛ فإنَّ الشَّيءَ إنَّما يثبُتُ لِوُجُودِ مُثْبتِهِ لا لانتفاءِ مُبْطِلِهِ.

ومنها: قولُهم: عَجْزُكَ عن الاعتراضِ عَلَيهِ دليلٌ علَى صِحَّتِهِ؛ كالمعجزة، وهذا معارَضٌ بأن يُقَال: عَجْزُكَ عن إقامَةِ الدَّليلِ علَى صِحَّتِهِ دليلٌ علَى بطلانِهِ، والعَجْزُ فِي المعجزةِ لا يكفي ما لَمْ ينضمَّ إليه وقوعُ الخَارِقِ المُوَافِقِ لتحدِّي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم العجْز المُعْتَبَرُ فيه عَجْزُ كافَّةِ من تحدَّى به علَيهم مِن أهْلِ ذلك الشأنِ؛ فيتحدَّى بالبلاغةِ والفَصَاحَةِ على البُلَغَاءِ والفصحاء، وتقلب العصا ثُعْبَانًا عَلَى السَّحَرَةِ، وبإحْيَاءِ الموتى وإبراءِ الأكْمَهِ والأبْرَصِ على الأَطِبَّاءِ.

خَاتِمَةٌ

قَد زعَمَ بعْضُ النُّظَّار أَنَّ مما يُطَالبُ به المُعَلِّلُ أَوَّلًا إقامَةَ الدليلِ علَى أنَّ هذا الحكْمَ معلَّلٌ، وهذه الطَّلِبَةَ لا وجْهَ لها؛ فإنه إذا طُولِبَ بإثْبَاتِ العِلَّةِ الخاصَّة، ففي ضِمْنها طَلَبُ أصل التعْلِيلِ، وإذا ثَبَتَ دليلٌ على التعليلِ بالعلَّةِ الخَاصَّة، فقد أثبت أصْل التَّعْلِيلِ؛ فما أبداه دليلُ الأمرَينِ معًا؛ لاستلزام الأخَصِّ الأعمَّ.

وإذا عرفْتَ انحصار مَسَالِكِ التعْلِيلِ جملةً وتفصيلًا، فالاعتراضُ عليها يقَعُ عَامًّا وخَاصًّا: فالخاصُّ ما يخص كُلَّ مسلَكٍ:

والإجماعُ إن كان قطعيًّا نوزع فِي تواتُرهِ وفي نُصُوصِيَّتِه، بإبداءِ احتمالٍ، وإن كان ظَنِّيًّا، فالمطالبة بسنده، ويكْفيه فِي جوابه الإعْزَاءُ إِلى كتاب مشهورٍ لإمامٍ، يرجع إليه، ولا يكلَّفُ بالعنعنةِ، أو بالطعن فِي سنده بأنَّ راويَهُ ضعيفٌ أو مجهولٌ أوْ متْرُوك، أو وَضَّاعٌ، أو انقطاعِ سندِهِ.

وأما مِن حيثُ إشعارُهُ: فيمنع ظهور ما ادعى ظهوره ببيان احتمالٍ غَيرِ المُدَّعَى، أو تأويلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>