وكلاهما فاسدٌ؛ فإن الصحابةَ حَيثُ قاسَتْ لفظ "الحَرَامِ" على "الظهار" أو "الطلاق" أو "اليمين" لم يَتَوَقَّفُوا في قياسِهِمْ على قيامِ دَلِيلٍ على وجوبِ التعليلِ أو جوازِهِ، لكنَّ الضابطَ فيما يُعَلَّلُ وما لا يُعَلَّلُ عن لفظٍ يُشْعِرُ بالتعليلِ من الشَّرْعِ: أنَّ كُلَّ ما انقدح فيه معنَى مخيل مناسِبٍ أو شَبَهٍ يغلبُ على الظنِّ، مُطَّرِد لا يعارضه أصْلٌ من أصول الشرعِ- فَهُوَ معلَّلٌ، ومَا لَا فَلَا.
وأمَّا حُكمُ الفرعِ، فلَهُ شروطٌ:
الأول: ألا يكُونَ حُكمُهُ منصوصًا ولا مُجْمَعًا علَيه؛ فإنَّ النَّصَّ والإجماعَ: إنْ كان على خلافِهِ، فهو فاسدُ الوَضْعِ، وإنْ كان على وفقه، كان قياس المنْصُوص على المنصوصِ، والمجمَع على المجمع عليه، ولا أولويَّةَ، وهو خلافُ ما دَلَّ عليه خَبَرُ معاذٍ وسيرَةُ الصحابةِ؛ فإنهم كانوا لا يَرْجِعُونَ إلى الرأْي إلَّا عِنْدَ عدم النص.
الشرْطُ الثاني: وجودُ عَينِ عِلَّة الأصلِ فيه؛ فإن تعدية الحُكمِ فَرعُ تعديةِ العِلَّةِ، وهَل يشترط وجودها قَطْعًا أو ظَنًّا؟ اختلفوا فيه على ثلاثةِ مذاهِبَ؛ الثالث: إِنْ كانَتِ العِلَّةُ حُكْمًا شرعيًّا، كفَىَ الظنُّ، وإِن كانت وَصْفًا حقيقيًّا أو عرفيًّا- لم يَكْفِ، وإن لم يكُنِ الموجودُ عَينَهَا بل غيرَهَا، واتحدَتِ الحِكْمة- فصِحَّتُهُ مبنية على صِحَّة القياسِ في الأسبابِ، وفيه الخلاف.
الشرطُ الثالث: قال قوْمٌ: ألا يكونَ حُكمُ الفرعِ متقدِّمًا في مشروعيَّته على حُكْمِ الأصل؛ كقياس الوضُوءِ على التيمُّم في اشتراطِ النية؛ فإنَّ الحُكمَ لا يتقدَّمُ علَى عِلَّتِهِ. والأصَحُّ أنه لا يشترطُ؛ فإنه لا يَمْتَنِعُ تعليلُ الحُكْمِ الشرعيِّ بعلَّتين، والعِلَلُ الشَّرعيَّةُ معرِّفَاتٌ، فثَبَتَ قبل التيمم بعلة، وبعده بعلتين.