للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُعَيَّنِ، ثُم لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلِ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ ذلِكَ الوَصْفِ فِي الْفَرْعِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ دَليل آخَرَ يَدُلُّ عَلَى انتِفَاءِ المَوَانِعِ وَالمُعَارَضَاتِ.

فَثبَتَ: أَنَّ الْحُكمَ المُثبَتَ بِالْقِيَاسِ يَتَوَقَّفُ عَلَى هذِهِ المُقَدِّمَاتِ العَشَرَةِ.

وَأَمَّا الْحُكمُ الْمُثبَتُ بِالْعُمُومَاتِ، فَإِنَّهُ يَكفِي فِي ثُبُوتِهِ مُقَدِّمَة وَاحِدَةٌ؛ وهِيَ: بَيَانُ أَن ذلِكَ الْعُمُومَ مُتَنَاول لَهُ؟ فَثَبَتَ أَن مُقَدِّمَاتِ القِيَاسِ كَثِيرَة، وَكُلُّها مُشكِلَة، وَأَمَّا الْعُمُومُ فَلَهُ مُقَدِّمَة وَاحِدَةٌ فَقَط؛ فَكَانَ الْحُكمُ المُثبَتُ بِالعُمُومِ أَقْوَى، وَالأَقوَى أَولَى بِالاعتِبَارِ مِنَ الأَضعَفِ؛ فَوَجَبَ كَونُ العُمُومِ رَاجِحًا عَلَى الْقِيَاسِ.

فَإِنْ قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَن يُقَال: إن مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ وإنْ كَانَتْ كَثِيرَةَ إِلَّا أَنهَا قَويَّة، وَالمُقَدِّمَاتُ المُعْتَبَرَةُ فِي الْعُمُومِ، وإن كَانَت قَلِيلَة، إِلَّا أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ؛ وَعَلَى هذَا التَّقْدِيرِ: بَطَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّرْجِيحِ:

قُلنَا: هذَا الكَلامُ فِي غَايَةِ البُعدِ؛ وَذلِكَ لأَن إِحْدَى الْمُقَدِّمَاتِ المُعْتَبَرَةِ فِي الحُكم الْمُثبَتِ بِالقِيَاسِ: إِقَامَةُ الدلِيلِ عَلَى أَن الْقِيَاسَ حُجَّة، وَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى أَن الْقِيَاسَ حُجَّة هُوَ قَوْلُهُ تَعَالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢]، أَوْ قَوْلُ مُعَاذ - رضي الله عنه -: "أَجتَهدُ رَأيي" وَهُمَا عُمُومَانِ فِي غَايَةِ الضَّعفِ.

===

الثالث وهو مختلَف فيه: ألا يكونَ عَدَمًا، وسيأتي.

الرابع: ألَّا يكون طَرْدًا لما عُرِفَ من عادة الشرْعِ؛ أنه إنما ينصب ما اشتَمَلَ على حِكمة.

الخامس: أن يكون معتبرًا لا مُلْغى، ولا مُرْسَلًا، ولا يَضُرُّ كَوْنُهُ غريبًا على الأصحِّ.

السادس: ألا يكون محلًّا، ولا جزءًا لِمَحَل، وإلا اتَّحَدَ الأصْلُ والفرعُ. نعم: قد يكونُ ذلك في العِلَّةِ القاصِرَةِ، وهي صحيحة عند الشافعي، رحمه الله.

وفائدتُهَا: الاطلاعُ على حِكمَةِ الحُكمِ؛ لتكون النفوس للحكم أقبل، والطبائع له أذعن أو معرفته لانتفاء الحكم وقَطعُ ما يُتَوَهم ثبوتهُ فيه بعلَّةٍ متعدِّيه أضعَفَ منها؛ كتعليلِ طُهُورِيَّةِ الماءِ بالرِّقَّة واللَّطَافَة دون الإزَالةِ, وتعليلِ الربا في الذهب والفضة بكونهما جَوْهَري الأثمانِ، لا بالوزن في الجِنْسِ، وأبو حنيفةَ لا يَرى للعلَّةِ القاصرة فائدة غير التعدية، والحُكمُ في الأصل معرَّفٌ بالنَّصِّ أو الإجماعِ؛ فلا فائدة فيها.

وقال الإمام: إنها تفيد قوَّة الدلالةِ في محل النصِّ بتقدير كونه ظاهِرًا أو عامًا. وأبو حنيفَةَ لما لم ير للعلَّةِ فائدة إلَّا التعديَةَ، والقاصرةُ لا فَرْع لها - اشترط في صحَّة العلَّة التعديةَ، فقيل له: التعديةُ إنْ فُسِّرَت بنقلِ الحكمِ من الأصل إلى الفرع، فهو فَرْع صِحَّةِ العلَّةِ؛ فلا يكون شرطًا في صحتها؛ فيدُورُ، وإن فُسرَت بوجودِ الوصْفِ في غير محل النصِّ بدون الحُكمِ - فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>