اشترط في صِحَّةِ العلةِ نقضها، وهو محالٌ. وهذا أورده بعضُ الحُذَّاقِ على أبي حنيفةَ، وهو غيرُ لازِم؛ فإنَّ له أنْ يَقُولَ: الشرْطُ وجودُ الوصفِ في غير مَحَل النَّص بلا قيدٍ، وهو أهم من قيدِ انتفاء الحُكمِ فيه أو ثُبُوتِهِ؛ ومذهَبُهُ باطلٌ بالعلَّة القاصرة المنصوصةِ؛ فإنه اعتَرَفَ بصحَّتها، وإذا صحَّ التعليل بالقاصرة، فهل تكونُ أقوَى من المتعدية، أو المتعديةُ أقوَى، أو يتساويان؟ فيه خلاف نَذكُرُ مأخذه في الترجيحِ، إن شاء الله تعالى.
وشَرَطَ قَوْمٌ إلَّا تكُونَ حُكمًا شرعيًّا , وليس بشَيءٍ؛ فإنا نعلِّل القصاص بالقتل العَمْدِ العدوانِ؛ فالعدوانيَّةُ حُكْمٌ شَرْعي. ونمنع البَيعَ، ونعلله بنجاسةِ المَحَل، ونعللُ وجود الحَدّ بالفعلِ المحرَّمِ. وليسَ من شرطها العَكسُ؛ لصحة تعليل الحُكمِ الشرعيّ بعلَّتَينِ؛ كما لو مَسَّ وبال معًا، أو خَلَطَ لبن أخته بلَبَنِ زَوجةِ أخِيهِ، وسَقَاه طِفلَة في الحولَينِ، وقد فعل ذلك خَمسَ مَرات؛ فإنها تحرم عليه بأنه عَمُّها وخالُها، وهَذَانِ المثالانِ يَقطَعَانِ عند مَن يقُولُ عند اجتماعِ العِلَلِ التي عُلِمَ تأثيرُها واستقلالُهَا في المَحَل الواحد: إن الحُكمَ يضاف إلى أسبقها وإلَى أقوَاهَا؛ فإنه لا يتصوَّر فيما فرضنَاهُ ذلك، وقولُ الإِمام في تحريمِ وطء الزوجَةِ المُحرِمَةِ الصائِمَةِ المعتدة: إنها تحريمات متعددة؛ بدليلِ اختلاف أَحكامِهَا وغاياتِهَا- بَعِيدٌ؛ وكذا إِباحةُ دمِهِ بالقَتلِ والزنا والرِّدة؛ فإن منع الوطء من حَيثُ إنه منع لا يختلف؛ وكذلك إباحةُ دَمِهِ، ولا يمتنع اقتضاءُ الشيءِ الواحدِ لأحكام عديدة، لكن الكلامَ فيه، اشتَرَكَا فيه؛ فإنه لا يُعقَلُ التعدد، مع اتحَادِ المُتَعَلق به.
ولِقَائِل أن يقولَ: المُشتَرَكُ معلل بقدر مشتَرَك، إن أمكن تحقيقُهُ وبيانُ اعتباره من ذلك الوَجهِ.
وما يعتمده الفخر في إبطال التعليل بعلتَينِ من أن الحُكمَ لو ثبت بِهِمَا، لاستغنى عنهما؛ عَلَى ما تقرر في دَلالة الوجدانيات أنها تَجرِي في العِلَل العقلية المؤثرة، أما الشرعيَّةُ،