. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
واحتج مخصِّصو الشَّيخَينِ بقوله - عليه السلام -: "اقتَدُوا باللَّذَينِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ".
والاعتراضُ: أَنَّ هذه الأحاديثَ مع تَعَارُضِهَا في التعْمِيمِ وَالاقتصارِ، وأنها أحاديثُ في بيانِ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ يستندُ إلَيها كثيرٌ من الأحْكَامِ بتقديرِ الصِّحَّة - محمولةٌ على خطاب العَوَامِّ بقَبُولِ فَتَاويهِم، وتلقِّي الشريعة عنهم، والسَّيرِ بِطَرِيقَتِهِمْ في الإعْرَاضِ عن الدنيا والإقبالِ عَلَى الآخِرَةِ؛ وَيتَعَيَّنُ صَرفُها. للعَوَامِّ بدليلِ إِطباقِهِمْ علَى جوازِ مخالفَةِ بَعْضهم بعضًا في الاجتهادِ، ولأن المجتَهِدَ متمكِّنٌ من درك الحُكمِ بالدليلِ؛ فلا يسوغ له التقليدُ. ومَنْ قَيَّد بِمُخَالفَةِ القِيَاسِ؛ لأنه توقيفٌ - فقد اعْتَرَفَ بأنَّ قوله لَيسَ بحُجَّةٍ، ويبقى النَّظَرُ في أنَّه لم يَقُلْهُ إلَّا عَنْ توقيفٍ، وليسَ بِمُتَعَيِّنٍ؛ لاحتمالِ اعتقادِهِ ما ليس بقياس قياسًا، أو التمسُّك بقياسٍ ضعيفٍ.
فإنْ قيل: أليس عَبْدُ الرحْمَن بْنُ عَوْفٍ عَرَضَ البَيعَةَ عَلَى عليّ بِشَرْطِ اتباعِ الشيخَينِ، فَأَبَى، وعرض ذلك علَى عثمانَ، فقبلَ؛ فاتفقوا علَى مبايعته؟
قيل: أَلَيسَ لم يلتزمه عَلِيٌّ، ولم يُنْكَرْ عليه؛ ويحمل على السِّيرة والسِّيَاسَةِ لا المَذْهَب.
مسألةٌ:
اختُلِفَ أنَّ النبيَّ قبل أن يوحَى إلَيهِ مع القَطعِ بأنَّه لم يشرك بالله طَرْفَةَ عَينٍ: هل كان عَلَى شريعة نبيٍّ؟
أَجْمَعَتِ المُعْتَزِلَةُ علَى أنَّه لم يَكُنْ علَى شريعة نبيٍّ.
قالوا: لأنَّه يورث النقيض؛ فإن التَّابعَ لا يكونُ مَتْبُوعًا.
واختلف أصحابُنَا: فمنهم مَنْ قال: كان على شَرِيعَةِ نَبيٍّ؛ فإنَّ الانسلال عن ربقة التكليفِ والخُرُوجَ علَى ضوابطِ الشَّرعْ يُزرِي بمنصبه، وقد وَرَدَ في الأَخْبَارِ الصحيحةِ: أنه كان يتحنَّث بِحِرَاء، ويصلِّي وَيطُوفُ.
ثم اختلفوا فَمِنهُمْ مَنْ قال: كان عَلَى شَرِيعَةِ نُوحٍ.
وقيل: علَى شريعةِ إِبراهيمَ، ومنْ شَرْع إِبراهيم التوحيدُ، واستقبالُ القِنلة، والخِتَانُ، وقد كان كذلك.
وقيل: على شريعة مُوسَى.
وقيل: على شريعة عيسَى؛ فإنها الناسخَةُ لما تقدَّمها؛ لا يقال: كانَت محرَّفة مغيَّرة؛ لأنا نقولُ: كان فيهم أحبارٌ يَعْرِفُونَهَا علَى وَجْهها، وتحريفُ البعْض لا يَمْنَعُ من اتِّبَاع البَعْضِ غير المغيَّر.
ومن التزم أنَّه علَى شريعة إبْرَاهيم، إذا قيل له: شريعةُ مُوسَى وعيسَى ناسخةٌ، يمنع عُمومَ رسالتِهِمَا.