ومما اختلف فِي العَمَلِ به المصالحُ المُرْسَلَةُ؛ والمعنيُّ بها: كُلُّ وصفٍ مناسبٍ لم يَلْقَ مِن الشَّارعِ ما يَدُلُّ على اعتبارِهِ، ولا إِهدارِهِ، لا بطريقِ تأْثِيرٍ ولا ملاءمةٍ.
وقال القاضِي: وابْنُ البَاقِلَّانِيّ والأكثَرُونَ على منعه، واعتمدَهُ قوْمٌ، ويعْزَى إِلَى مالكٍ، ونسَبَهُ الإِمام إِلَى أنَّه اسْتَرْسَلَ فيه حتَّى رأى قتل ثلث الأُمَّةِ؛ لاستصلاحِ ثُلُثَيهَا، وقتل فِي التعزير.
وقد رَدَّ القاضي عليه فِي هذا المسْلَك، وقَال: إِذَا قلْتَ بِالاستدلالِ، فلا فَرْقَ بين أنْ تَقُولَ به فِي المعاملاتِ والأموالِ وبَينَ أنْ تَقْضِيَ به فِي العقوبَاتِ؛ كما فَعَل مالِكٌ، فكُلُّ حقيرٍ، فإثباته فِي الشَّرْع تَحَكُّمًا - خَطَرٌ عظيمٌ، وما أثبته، بالنسبةِ إِلَى ما أجمله الشارعُ فِي المعامَلَاتِ هو كما أثبته مالكٌ بالنِّسْبة إِلَى العقوبة التي أَجْمَلَهَا الشَّرْعُ.
وأمَّا الغَزَّالِيُّ، فقال: إِنَّ المصلحة التي لا يَشْهَدُ لها أصْلٌ مُعَيَّنٌ: إِذا كانَتْ ضروريَّةً قطعيَّةً كليَّةً لا يَبْعُدُ أنْ يؤدِّيَ إِلى العملِ بها اجتهادُ مجتهدٍ؛ ومثَّله بالكُفَّار: إِذَا تَتَرَّسُوا بجماعةٍ مِنْ أَسْرَى المسلمين، فلو رَمَينَا التِّرْسَ، لقَتَلْنَا مُسْلِمًا لم يُذْنِبْ؛ وهذا لا عَهْدَ لنا به فِي الشَّرْعِ، ولو كَفَفْنَا عنهم، لَتَسَلَّط الكُفَّار علَى جميعِ المُسْلمين؛ فيقتلونهم، ثم يقتُلُونَ الأسَارَى، ولقائلٍ أنْ يَقُولَ: التِّرْسُ مَقْتولٌ علَى كُلِّ حالٍ؛ فيجب حفْظُ المسلمينَ أجمعينِ؛ فإنَّه أقربُ إِلَى مقصودِ الشَّرْعِ، فَيَحْكُم بالمحاربة حِفْظًا للدِّين؛ لئلَّا يلزم أنْ يكُونَ تَرْكُهُ لِحِفْظِ الدِّين رافعًا لنفْسِهِ، وموجِبًا