للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا فالمحسوس أصل للمعقول؛ لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس، ومنتهية إليها فتشبيهه بالمعقول يكون جعلا للفرع أصلا، والأصل فرعا؛ وذلك لا يجوز.

ولما كان من المشبه والمشبه به ...

===

وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح (١)

فإن وجه الخليفة أضعف فى نفس الأمر فى الضياء من المصباح، ولكنه جعل أقوى ادعاء مبالغة فى مدحه فجعل مشبها به

(قوله: وإلا) أى: وإلا يكن الطريق ما ذكر فلا يصح التشبيه؛ لأن (المحسوس إلخ)

(قوله: لأن العلوم العقلية) أى: المعلومات العقلية أى:

التى تدرك بالعقل كحدوث العالم وكمطلق بياض، فالأول: يدركه العقل من تغير العالم المدرك بالحس، والثانى: يدركه العقل من رؤية بياض خاص، فإذا أبصرت بياضا جزئيّا أدرك عقلك مطلق بياض وإن لم يكن لك بصر ما أدركت مطلق بياض، ولذلك قيل: من فقد حسّا فقد فقد علما، يعنى: المستفاد من ذلك الحس فعلمت من هذا أن الحواس أصل لمتعلقها وهو المحسوس وهو أصل للمعقولات، فقول الشارح: (مستفادة من الحواس) أى:

بواسطة المحسوس الذى تعلقت به تلك الحواس

(قوله: ومنتهية إليها) أى: لأن العقليات النظرية ترجع بالبرهان إلى الأمور الضرورية المستفادة من الحواس؛ لئلا يلزم التسلسل

(قوله: فتشبيه) أى: المحسوس كالعطر مثلا، (وقوله: بالمعقول) أى: كخلق الرجل الكريم،

و(قوله: جعلا للفرع) أى: فى الوضوح وهو المعقول

(قوله: والأصل) أى: فى الوضوح وهو المحسوس

(قوله: وذلك لا يجوز) أى: بدون الطريق السابق إن قلت:

ليس كلّ محسوس أصلا لكلّ معقول، فيجوز أن يكون بعض المعقولات أوضح وأقوى عند العقل بواسطة كمال وضوح أصله الذى هو محسوس مخصوص، فيشبّه به محسوس آخر ليس أصلا له ولا واضحا مثل وضوحه، ولا حاجة لادعاء ولا تنزيل.

قلت: إن وضوح المعقول أىّ معقول كان لا يبلغ درجة وضوح المحسوس أىّ محسوس كان، فضلا عن أن يكون أقوى منه فلا يصح تشبيه المحسوس بالمعقول إلا بطريق


(١) البيت لمحمد بن وهيب فى الإشارات ص ١٩١، والطيبى فى شرح المشكاة (١/ ١٠٨) بتحقيق د/ عبد الحميد هنداوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>