للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(من أمور أكثر كان التشبيه أبعد) لكون تفاصيله أكثر (و) التشبيه (البليغ ...

===

قال العلامة عبد الحكيم: إنما قابل الخيالى بالعقلى مع أن المقابل للعقلى إنما هو الحسى؛ لأن التركيب لا يكون حسيا

(قوله: من أمور) خبر كان

(قوله: أبعد) أى: عن الابتذال

(قوله: لكون تفاصيله أكثر) فيبعد تناوله لمطلق الناس، وإنما يتناوله حينئذ الأذكياء وذلك كما فى قوله تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ ... الآية، فإنها عشر جمل مرتبط بعضها ببعض قد انتزع وجه الشبه من مجموعها، وبيان ذلك يظهر بتلاوة الآية: قال الله تعالى: (١) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ فالمشبه به مركب من عشر جمل بعدّ" وظن أهلها" جملة، " وأنهم قادرون عليها" جملة أخرى، تداخلت تلك الجمل حتى صارت كأنها جملة واحدة، ومعنى فاختلط به نبات الأرض:

فاشتبك به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام من الزرع والبقول، وقوله: حتى إذا أخذت الأرض زخرفها أى: حتى إذا تزّينت بزخرفها، والزخرف فى الأصل: الذهب، وقوله: وازّيّنت أى: تزيّنت تفسير لما قبله، وقوله: وظن أهلها أى: أهل النبات وأنث ضميره لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، وقوله: قادرون عليها أى: على حصدها ورفع غلّتها، وقوله: فجعلناها أى: النبات حصيدا أى: شبيها بما حصد، وقوله: كأن لم تغن بالأمس أى: كأنها لم تنبت ولم تكن قبل ذاك من زمان قريب غاية القرب، يقال غنى بالمكان: أقام به، فقد شبّه فى الآية مثل الحياة الدنيا أى: حالتها العجيبة الشأن وهى تقضيها بسرعة وانقراض نعمها بغتة بالكلية بعد ظهور قوتها، واغترار الناس بها واعتمادهم عليها- بزوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما لم يبق له أثر أصلا بعد ما كان غضّا طريّا قد التفّ بعضه ببعض وزيّن الأرض بأنواره وطراوته وتقوّيه بعد ضعفه، بحيث طمع الناس فيه وظنّوا سلامته من الجوائح، ووجه الشبه: هيئة منتزعة من


(١) يونس: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>