للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قوله- عليه الصلاة والسّلام-: " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة" (١).

وفى الفائق: الراحلة: البعير الذى يرتحله الرجل؛ جملا كان أو ناقة؛ يعنى:

أن المرضى المنتخب من الناس فى عزة وجود؛ كالنجيبة المنتخبة التى لا توجد فى كثير من الإبل. (وبهذا ظهر أن التشبيه أعم محلا) ...

===

إذ لو قيل رأيت يوم الجمعة فى المسجد إبلا مائة لا تجد فيها راحلة تبين المراد فالأولى فى التمثيل أن يقال: رأيت يوم الجمعة فى المسجد والإمام يخطب إبلا مائة لا تجد فيها راحلة، فإن هذه صورة التجوز مع الخفاء إذ المفهوم أن الناس المرئيين فى المسجد كالإبل والمتبادر أنهم كالإبل فى كثرة الأكل، وقلة الفهم وكبر الأعضاء وطولها مثلا، إذ هذا هو المتبادر، أو أنهم كالإبل فى غاية الصبر، لأن الإبل مشهورة بالصبر؛ على ما تستعمل، وأما عزة الكمال مع كثرة أفراد الجنس فلا تفهم، وإنما كان الأولى ذلك الذى قلناه من المثال؛ لأن كلامنا فيما تحقق فيه التجوز مع الخفاء ولا يتحقق التجوز إلا بالقرينة ولو ذكرت القرينة فى المثال مع الإيماء للوجه انتفى الخفاء- اه يعقوبى.

(قوله: من قوله) أى: وهذا المثال مأخوذ من قوله- عليه الصلاة والسّلام- لا أن قصد المصنف التمثيل بالحديث

(قوله: يرتحله الرجل) أى يعده للارتحال عليه- كذا قال بعضهم- وفى الأطول أى: يعده لوضع رحله وحمل الأثقال عليه

(قوله: المنتخب من الناس) أى: المختار منهم لحسن خلقه وزهده، وقوله: فى عزة وجوده (٢) أى: فى قلة وجوده مع كثرة أفراد جنسه، وهذا وجه الشبه

(قوله: المنتخبة) أى: المختارة لحمل الأثقال لقوتها وهى مرادفة للراحلة، وأشار بقوله: التى لا توجد فى كثير من الإبل إلى أن المراد من العدد الكثرة

(قوله: وبهذا) أى: بما ذكر- وهو أن ما يكون فيه الوجه خفيا لا تنبغى فيه الاستعارة لئلا تصير إلغازا وتعمية- ظهر أن التشبيه أعم أى: من الاستعارة أى: عموما مطلقا؛ لأن العموم إذا أطلق إنما ينصرف له ونبه بقوله: محلا على أن العموم من حيث التحقق لا من حيث الصدق، إذ لا يصدق التشبيه على الاستعارة كما أن الاستعارة لا تصدق على التشبيه، ثم إنه لم يعلم مما مر إلا أن التشبيه ينفرد عن الاستعارة


(١) السنن الكبرى للبيهقى ١٠/ ١٣٥ بلفظ (الناس كالإبل المائة لا يجد الرجل فيها راحلة).
(٢) كذا، وفي المتن: وجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>